للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِمَامِ وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَإِذَا كَانَ مَعْنَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ إنْشَاءَ الْحُكْمِ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ حُكْمُهُ وَهُوَ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَيَصِيرُ الْحَالُ إلَى تَعَارُضِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَتَقْرِيبُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ يَلْزَمُ وَهَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ صُوَرًا لَا نِهَايَةَ لَهَا فَإِذَا رُفِعَتْ صُورَةٌ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبْطَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ كَانَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ نَصًّا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَدَ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ.

وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ مُنْشِئٌ لِلْحُكْمِ وَأَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ بِالْحُكْمِ كَالْمُتَرْجِمِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ مَعَهُ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ يُنْشِئُ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ كَلَامٌ يُوهِمُ بِحَسَبِ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَلَا هُوَ مُرَادُهُ بَلْ لَفْظُهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَى الْمُرَادِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُخْتَارِ وَمُرَادُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمُفْتِيَ نَاقِلٌ وَمُخْبِرٌ وَمُعَرِّفٌ بِالْحُكْمِ وَالْحَاكِمُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُلْزِمٌ لِلْحُكْمِ وَمُنَفِّذٌ لَهُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ (وَإِذَا كَانَ مَعْنَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ إنْشَاءَ الْحُكْمِ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الْحُكْمِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ بِمُخْبِرٍ بِالْحُكْمِ بَلْ هُوَ مُلْزِمٌ لِلْحُكْمِ وَقَوْلُهُ هَذَا نَقِيضٌ لِقَوْلِهِ آنِفًا إنَّ الْحَاكِمَ مُنْشِئٌ لِحُكْمِ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَلْزَمُ وَأَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ فَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ.

قَالَ (وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ حُكْمُهُ) قُلْتُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُصَوِّبُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بَلْ رُبَّمَا صَادَفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا لَمْ يُصَادِفْ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ وَمَأْجُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَهُوَ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَيَصِيرُ الْحَالُ إلَى تَعَارُضِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ الْمُتَعَارِضَيْنِ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِوَجْهٍ مَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (وَتَقْرِيبُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ يَلْزَمُ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَجَهِلَ تَرْتِيبَهَا كَيْفَ كَانَ وَامْتَنَعَ تَكْمِيلُ ذَلِكَ الدُّسَتِ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ تَحْنِيثِهِ بِذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا فِي تَحْنِيثِهِ وَعَدَمِ تَحْنِيثِهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ غَيْرٍ لِاسْتِثْنَاءِ هَذَا الدُّسَتِ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ وَالْحَلِفُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَبِالْمُسْتَثْنَى مَعًا أَوْ بِالنَّفْيِ السَّابِقِ فَقَطْ أَوْ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتٌ أَوْ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ ثُمَّ اجْتَمَعْت بِشَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ فَأَخْبَرْتُهُ بِالْمَسْأَلَةِ فَاخْتَارَ عَدَمَ الْحِنْثِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مِنْ دَيْنِك إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ سَائِرِ الْأَيَّامِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مِنْ دَيْنِك إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ سَائِرِ الْأَيَّامِ جَرَى الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ أَيْضًا فِي تَحْنِيثِهِ وَعَمْدِ تَحْنِيثِهِ وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ إثْبَاتٍ مُطْلَقًا وَذَلِكَ لِأَنَّ إلَّا إنْ جُعِلَتْ لِلْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصْلِ كَانَ الْكَلَامُ مُفْهِمًا الْحَلِفَ عَلَى مَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْلَالِ بِالْإِعْطَاءِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى سِوَى نَظَرًا لِكَوْنِ أَهْلِ الْعُرْفِ نَقَلُوهَا مِنْ الْإِخْرَاجِ إلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ حَتَّى لَا يَفْهَمُونَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَلْ إنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ غَيْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْإِعْطَاءِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّ اسْتِثْنَاءَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتِثْنَاءُ تَوْسِعَةٌ لَوْ أَعْطَى فِيهِ لَمْ يَضُرَّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفُقَهَاءُ خَالَفُوا مَا فِي الْأُصُولِ مِنْ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَلَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَالسَّبَبُ مَا عَلِمْته وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الطَّلَاقِ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١٥١] وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الطَّلَاقِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ السَّيِّدُ الصَّفَوِيُّ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْمَعْهُودِ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ خَارِجًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: ١٥] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٦] وَنَحْوُ {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: ٣٦] وَنَحْوُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] أَوْ لِلْجِنْسِ أَمَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْ لِلْمَاهِيَةِ مِنْ حَيْثُ حُضُورُهَا الذِّهْنِيُّ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأَفْرَادِ فَتُسَمَّى لَامَ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَالْحَيَوَانُ جِنْسٌ وَالنَّاطِقُ فَصْلٌ.

وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ فِي بَعْضٍ مُبْهَمٍ مَعَ قَرِينَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَتُسَمَّى لَامَ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: ١٣] لِعَهْدِيَّةِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي لِذَلِكَ الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُبْهَمًا فَمَدْخُولُهَا وَإِنْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَعَارِفِ بِالنَّظَرِ لِوَضْعِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>