آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ مَا قَبْلَهُ وَتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقَّةِ الْأَدَاءُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُفَرِّطِ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ بِسَبَبَيْنِ أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ، وَثَانِيهِمَا خُرُوجُ شَهْرِ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَصُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ خُصُوصَ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَرِيضُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْخِطَابَ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ بِالسَّبَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِهِ فَهَذَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَدَاءُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْقَضَاءِ لِلْوُجُوبِ إنْ بَقِيَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ فِي زَمَانِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَقْدَمَ وَصَامَ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ بَعْدَ عُمُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ؟ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَيَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهُ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ شَهْوَتَيْ فَمِهِ وَفَرْجِهِ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَجَانٍ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ.
قَالَ (مُفَرِّقٌ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت: أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُفَرِّطِ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُسَافِرِ بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ فَلَمْ تُوجِبْ الرُّؤْيَةُ الْعُمُومَ فَإِنَّ الْعُمُومَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عُمُومٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَيْسَ الْعُمُومُ هُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ بَلْ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ خُصُوصٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَرِيضُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهَذَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إلَى قَوْلِهِ إنْ بَقِيَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ فِي زَمَنِ الْقَضَاءِ قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَإِنْ أَقْدَمَ وَصَامَ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ) قُلْت: مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهَا فَالْقَادِرُ إذًا مَطْلُوبٌ بِإِقَامَةِ الْفَرْضِ وَغَيْرُ الْقَادِرِ مَطْلُوبٌ بِتَقْدِيمِ ذَلِكَ الْقَادِرِ إذْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى قِيَامِ الْقَادِرِ إلَّا بِالْإِقَامَةِ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَرْتَفِعُ مَنَاطُ الْخِلَافِ فَلَا يَبْقَى لِلْمُخَالَفَةِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ اهـ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ بِتَغْيِيرٍ مَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ)
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى خُصُوصٌ مُعَيَّنٌ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ لَا مَوْكُولٌ تَعَيُّنُهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ وَالْوَاجِبُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ خُصُوصٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ وَإِنَّمَا تَعَيُّنُهُ مَوْكُولٌ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ، وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى لَمَّا تَعَيَّنَ فِيهَا الْوَاجِبُ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إجْزَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَإِنَّمَا جَرَى إجْزَاءُ غَيْرِ الْوَاجِبِ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الْمَذْهَبِ أَشَارَ لَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّوَاوِيُّ كَمَا فِي كَبِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى نَظْمِ ابْنِ عَاشِرٍ بِقَوْلِهِ:
مَسَائِلُ يَجْرِي نَقْلُهَا عَنْ فَرِيضَةٍ ... شُذُوذًا فَلَا تَتْبَعْ سِوَى قَوْلِ شُهْرَةِ
مُجَدِّدٌ طَهُرَ سَاهِيًا وَهُوَ مُحْدِثٌ ... وَلُمْعَةُ عُضْوٍ طَهُرَتْ بِفَضِيلَةِ
وَآتٍ بِغُسْلٍ سَاهِيًا عَنْ جَنَابَةٍ ... نَوَى جُمُعَةً وَاحْكُمْ لِتَارِكِ سَجْدَةِ
مِنْ الْفَرْضِ يَأْتِي بِالسُّجُودِ لِسَهْوِهِ ... وَمُبْطِلُهَا يَأْتِي بِخَامِسِ رَكْعَةِ
وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ ظَنَّ فِيهَا سَلَامَهُ ... وَآتٍ بِنَفْلٍ قَبْلَ خَتْمِ فَرِيضَةِ
وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ يَظُنُّ سَلَامَهُ ... لِثَالِثَةٍ قَدْ قَامَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ
وَيُجْزِئُ فِي الْمَشْهُورِ مَنْ طَافَ عِنْدَهُمْ ... طَوَافَ وَدَاعٍ ذَاهِلًا عَنْ إفَاضَةِ
وَذُو مُتْعَةٍ قَدْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ ... فَيُجْزِئُ قَدْ قَالُوا لِوَاجِبِ مُتْعَةِ
وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا رَمَى ... جِمَارًا لِسَهْوٍ لَا يُعِيدُ لِجَمْرَةِ
وَبَيَانُهَا أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مُحْتَوٍ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْ الطَّهَارَةِ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَشْهُورُهُمَا الثَّانِي وَذَكَرَهَا الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ:
الْأُولَى: إذَا تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا اغْتَسَلَ لِجُمُعَةٍ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقِيلَ تُجْزِئُ
الثَّالِثَةُ: إذَا نَسِيَ لُمْعَةً مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى فِي وُضُوئِهِ وَكَانَ غَسْلُهَا بِنِيَّةِ السُّنَّةِ