الطَّرِيقِ لِحِفْظِ حَيَاةِ الْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ هَاهُنَا صُرِفَ فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا قُلْتُ نَمْنَعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَاشْتَرَطَ فِيهِمَا أَنْ تَكُونَ الْأَدَاةُ مُبَاحَةً بَلْ حَرَّمَ الْغَصْبَ مُطْلَقًا وَأَوْجَبَ الطَّهَارَةَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْبَتَّةَ فَكَمَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ وَإِنْ قَارَنَ مَأْمُورًا يَتَحَقَّقُ الْمَأْمُورُ وَإِنْ قَارَنَ تَحْرِيمًا فَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا بُقْعَةً مُبَاحَةً بَلْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَحَرَّمَ الْغَصْبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ شَرْطًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى قَتْلِ إنْسَانٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ مَعَ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمِ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَبَيْنَ مَسَائِلِ الرِّبَا وَلِمَ لَا وَافَقْتَ الْحَنَفِيَّةَ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فِيهَا كَمَا صَحَّتْ الْعِبَادَةُ مَعَ ثُبُوتِ النَّهْيِ فِي الْوَصْفِ وَفِي الْجَمِيعِ النَّهْيُ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ وَالْحَنَفِيَّةُ طَرَدَتْ أَصْلهَا وَأَنْتَ لَمْ تَطْرُدْ أَصْلَكَ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ قُلْتُ السِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْحَقَائِقَ مُتَعَلِّقَاتُ الْعُقُودِ وَالرِّضَا لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي الْبَعْضِ لَنَقَلْنَا مِلْكَ الْبَائِعِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَهَذَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ إلَّا بِمَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ فَكَانَ الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَعْدَ إسْقَاطِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ بَاذِلِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَقْدِ مُقَابَلَتَهُ بِمِثْلِهِ بَلْ بِمِثْلَيْهِ، وَأَمَّا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَيْثُ قُلْتُ بِالصِّحَّةِ فَالْمَوْجُودُ كَمَالُ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ فَقُلْتُ بِالصِّحَّةِ لِكَمَالِ وُجُودِ الْمُتَعَلِّقِ وَهُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ الْمُتَعَلِّقِ وَهَذَا فَرْقٌ جَلِيٌّ جَلِيلٌ فَإِنْ قُلْتَ مَنْ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ دِرْهَمَانِ مِنْ عِنْدِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ فَقَدْ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ مِنْ قِبَلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَقَوْلُهُ لَمْ يَحْصُلْ الرِّضَا مَمْنُوعٌ بَلْ الرِّضَا حَاصِلٌ.
قُلْتُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ هَبْ أَنَّ بَاذِلَ الدِّرْهَمَيْنِ رَاضٍ فَبَاذِلُ الدِّرْهَمِ غَيْرُ رَاضٍ بِبَذْلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا رَضِيَ بِبَذْلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمَيْنِ سَلَّمْنَا حُصُولَ الرِّضَا لَكِنْ الرِّضَا لَا يَكْفِي وَحْدَهُ فِي نَقْلِ الْأَمْلَاكِ فَإِنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِنَقْلِ مِلْكِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُهُ فِيمَا عَلِمْته إجْمَاعًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، أَمَّا الرِّضَا وَحْدَهُ فَلَيْسَ هُوَ سَبَبًا شَرْعِيًّا بَلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا السَّبَبُ لَهُ مُتَعَلِّقٌ وَلَمْ يُوجَدْ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْضَى بِاللُّزُومِ حِينَئِذٍ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّبَوِيَّاتِ وَالْعِبَادَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ حَسَنٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
شَيْءٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ يَقُومُ هَذَا الْقَضَاءُ مَقَامَهُ فَيَتَعَيَّنُ حَيْثُ سَلَّمَ الْأَحْنَافُ مَنْعَهَا مِنْ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ التَّعْوِيضَ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ لَا أَنَّ التَّوْسِعَةَ فِي إيقَاعِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ إذْ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ بِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِإِيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَهُمْ يَقُولُونَ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ إنْ أَوْقَعَتْهُ وَبِأَنَّهَا آثِمَةٌ بِذَلِكَ وَهَلْ يُجَامِعُ الْوُجُوبُ الْإِثْمَ وَالْوَاجِبُ لَا يَمْتَنِعُ إذْ لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ يُعَاتِبُ الْمُكَلَّفَ إذَا فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا وَإِنْ جَوَّزْنَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ إلَّا أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهَذَا الْجَائِزِ بَلْ بِالرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْمَشَاقِّ وَالتَّيْسِيرِ وَالْإِحْسَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ خِلَافُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيًّا بَلْ لَا وَجْهَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْخِلَافِ فِيهَا وَاحْتِجَاجِهِمْ لِمَا قَالُوهُ بِتِلْكَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا دَاعِيَ إلَى الْإِطَالَةِ بِالْجَوَابِ عَنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ بِتَكَلُّفِ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ]
[الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَمِنْهُ وَعَنْهُ وَمِثْلُهُ وَإِلَيْهِ)
اعْلَمْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ خِطَابِ الشَّرْعِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: جُزْئِيٌّ مُعَيَّنٌ كَوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إلَى خُصُوصِ الْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ وَالتَّصْدِيقِ بِالرِّسَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَالْقُرْآنِ.
وَثَانِيهِمَا: جُزْئِيٌّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ فَيَتَعَلَّقُ حِينَئِذٍ الْخِطَابُ بِالْكُلِّيِّ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كُلِّيٌّ ضَرُورَةَ أَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَالْكُلِّيُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ الْمُوقَعَ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى عَشَرَةِ أَجْنَاسٍ مُتَبَايِنَةِ الْحَقَائِقِ مُخْتَلِفَةِ الْمِثْلِ وَالْأَحْكَامِ يَذْكُرُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهَا قَاعِدَةً عَلَى حِيَالِهَا لِيَظْهَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا.
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا مِنْ حَيْثُ صِدْقُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ.
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ فَلَا وُجُوبَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ مِنْهَا فَمَفْهُومُ أَحَدِهَا