للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَيَحْسُنُ بِهَا الِاسْتِدْلَال) هَذَا مَوْضِعٌ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ هَذَانِ الْأَمْرَانِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْفُضَلَاءِ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذَا مُشْكِلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُمَا لَيْسَتَا قَاعِدَةً وَاحِدَةً فِيهَا قَوْلَانِ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا تَنَاقُضَ وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى قَوَاعِدَ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ لَا يَقْدَحُ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَسَقَطَتْ دَلَالَةُ الْعُمُومَاتِ كُلُّهَا لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ إلَيْهَا بَلْ تَسْقُطُ دَلَالَةُ جَمِيعِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ إلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يُوجِبُ الْإِجْمَالَ إنَّمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي أَوْ الْمُقَارِبُ أَمَّا الْمَرْجُوحُ فَلَا.

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ صَارَ مُجْمَلًا وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةِ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةِ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَيَحْسُنُ بِهَا الِاسْتِدْلَال إلَى قَوْلِهِ وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى قَوَاعِدَ) قُلْت قَوْلُهُ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَاعِدَةً مُسْتَقِلَّةً مُسَاوِيَةً لِلْأُخْرَى فِي الِاسْتِقْلَالِ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ.

قَالَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ لَا يَقْدَحُ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَسَقَطَتْ دَلَالَةُ الْعُمُومَاتِ كُلِّهَا لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ إلَيْهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (بَلْ تَسْقُطُ دَلَالَةُ جَمِيعِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ إلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا لَا يَلْحَقُهُ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْدَادِ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ.

قَالَ (لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يُوجِبُ الْإِجْمَالَ إنَّمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي أَوْ الْمُقَارِبُ أَمَّا الْمَرْجُوحُ فَلَا) قُلْتُ إيجَابُ الِاحْتِمَالِ الْمُسَاوِي الْإِجْمَالَ مُسَلَّمٌ وَأَمَّا إيجَابُ الْمُقَارِبِ فَلَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُتَحَقِّقَ الْمُقَارَبَةِ فَهُوَ مُتَحَقِّقُ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَإِنْ كَانَ مُتَحَقِّقَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فَهُوَ مُتَحَقِّقُ الْمَرْجُوحِيَّةِ فَلَا إجْمَالَ.

قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ صَارَ مُجْمَلًا وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مُتَعَيَّنٌ لِلْفِعْلِ مُتَحَتِّمُ الْإِيقَاعِ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ الْخُصُوصِيَّاتُ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ لَا إيجَابَ فِيهِ نَعَمْ لَمَّا كَانَ وُجُودُ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي مُعَيَّنٍ كَانَ تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِهِ لَكِنْ عَلَى الْإِبْهَامِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ الَّذِي اقْتَضَاهُ تَحَقُّقُ الْوُجُودِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ الزَّائِدُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقَ التَّخْيِيرِ وَاجِبًا فَافْهَمْ.

الْحُكْمُ الثَّانِي: ثَوَابُ الْوَاجِبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ كَانَ ثَوَابُ الْوَاجِبِ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ الْمُعَيَّنِ عَلَى الْإِبْهَامِ لَا عَلَى تَعْيِينِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ تَحَقُّقُ الْوُجُودِ لِكَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى الْإِبْهَامِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَثَوَابُهُ. نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُثَابُ عَلَى التَّعْيِينِ الزَّائِدِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ اسْتِظْهَارًا وَتَأْكِيدًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ حَتَّى إنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَفْضَلَ الْخِصَالِ أُثِيبَ ثَوَابَ وَاجِبٍ أَفْضَلَ أَوْ أَدْنَاهَا أُثِيبَ ثَوَابَ وَاجِبٍ أَدْوَنَ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَفْعَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُثَابَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ فَلَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ.

الْحُكْمُ الثَّالِثُ: الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ إذْ بِفِعْلِ الْبَعْضِ يَتَحَقَّقُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَثَوَابُهُ الَّذِي هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ، فَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ أَدْوَنِهَا عِقَابًا بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ فَإِنَّهُ يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَكْثَرِهَا ثَوَابًا نَظَرًا لِقَاعِدَةِ سَعَةِ الثَّوَابِ بِدَلِيلِ تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَقَاعِدَةِ ضِيقِ بَابِ الْعِقَابِ بِدَلِيلِ عَدَمِ تَضْعِيفِ السَّيِّئَاتِ فَالثَّوَابُ عَلَى الْأَكْثَرِ ثَوَابًا وَالْعِقَابُ عَلَى الْأَدْوَنِ عِقَابًا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَاعِدَتَيْهِمَا الْمَذْكُورَتَيْنِ فَافْهَمْ.

الْحُكْمُ الرَّابِعُ: بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي مُتَعَلِّقُهُ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ فَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِمَا أَوْقَعَهُ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوقَعُ جَمِيعَ الْخِصَالِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاحِدَ الْمُبْهَمَ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مُتَحَقِّقٌ بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهُ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْمُعَيَّنِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ بِهِ تَعْيِينَ وُجُودِ الْوَاجِبِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ بِهِ تَعْيِينَ الْوُجُوبِ فَافْهَمْ.

الْحُكْمُ الْخَامِسُ النِّيَّةُ فَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يَخْتَارُ إيقَاعَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>