للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعِدَدِ فَإِنَّهَا تُقَارِنُ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُهَا لِلْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ وَالْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَهَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا مَذْهَبُهُ فِي الْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ) قُلْت إنَّمَا تَأَخَّرَ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ.

قَالَ (وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَى قَوْلِهِ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ) قُلْت جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ أَسْبَابٌ لَمْ تَتِمَّ فَلَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا حَتَّى تَمُتْ وَاسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِمِثَالٍ صَحِيحٍ لِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْ سَبَبِهِ قَالَ (وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ) قُلْت الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْخِلَافِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

رَجُلًا عَلَى حُفْرَتِهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الْقَوْمِ إلَى أَيْنَ يُرِيدُونَ فَقَالَ إلَى رَحْمَةٍ جَاءَتْهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا فَقَالَ لَهُ فَهَلَّا مَضَيْت مَعَهُمْ فَقَالَ إنِّي قَدْ قَنَعْت بِمَا يَأْتِينِي مِنْ وَلَدِي عَنْ أَنْ أُقَاسِمَ فِيمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لَهُ وَمَا الَّذِي يَأْتِيك مِنْ وَلَدِك فَقَالَ يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَيُهْدِي إلَيَّ ثَوَابَهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ غَلْبُونٍ لِي أَنَّهُ مُنْذُ سَمِعَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ كَانَ يَقْرَأُ عَنْ وَالِدَيْهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَزَلْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ إلَى أَنْ مَاتَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَيَّاطُ فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَنْهُ كُلَّ لَيْلَةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] عَشْرَ مَرَّاتٍ وَيُهْدِي إلَيْهِ ثَوَابَهَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَلْبُونٍ فَمَكَثْت عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ عَرَضَ لِي فُتُورٌ قَطَعَنِي عَنْ ذَلِكَ فَرَأَيْت أَبَا الْعَبَّاسِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي يَا أَبَا الطَّيِّبِ لِمَ قَطَعْت عَنَّا ذَلِكَ الشُّكْرَ الْخَالِصَ الَّذِي كُنْت تُوَجِّهُ بِهِ إلَيْنَا فَانْتَبَهْت مِنْ مَنَامِي وَقُلْت الْخَالِصُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّمَا كُنْت أُوَجِّهُ إلَيْهِ ثَوَابَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فَرَجَعْت أَقْرَؤُهَا عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ اهـ.

وَلَا يَخْفَاك أَنْ تَمَسُّكَ مِثْلَ الشَّيْخِ ابْنِ غَلْبُونٍ بِالرُّؤْيَا الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ وَبِرُؤْيَاهُ الَّتِي رَآهَا بَعْدُ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِلْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ بِوُصُولِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا وَقَعَ لِابْنِ ذِكْرِيٍّ، بَلْ أَوْلَى مِنْ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْحَطَّابِ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ وَتَطَوَّعَ وَلِيُّهُ عَنْهُ مَا نَصُّهُ وَجُلُّهُمْ أَيْ الْعُلَمَاءِ أَجَابَ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ إهْدَاءِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا شَيْءٌ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ اُنْظُرْهُ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ اسْتَنَدَ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ لِكَلَامِ الْعُهُودِ فَهُوَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ كَالْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ إنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أُكْثِرُ الدُّعَاءَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك إذْ لَوْ أُرِيدَ لَقِيلَ فَكَمْ أَصْرِفُ لَك مِنْ وَقْتِ دُعَائِي مَثَلًا قَالَ الشَّيْخُ كنون بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَطَوَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا نَصُّهُ فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا ذَكَرَ رُؤْيَا أَبِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا وَلَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ أَبِي الْمَوَاهِبِ لَكِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالرُّؤْيَا فَلِذَلِكَ قَبِلَ كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ تِلْمِيذُهُ جَسُّوسُ وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ)

وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُبْطِلُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ

(الْأَوَّلُ) وَطْءُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَصَلَ مِنْهُ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ صَوْمِهِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا كَانَ لِظِهَارِهِ أَوْ عَامِدًا وَوَافَقَهُ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ أَصَابَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ مَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ أَيْ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ انْقَطَعَ أَيْ التَّتَابُعُ اهـ.

وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ الْعَمْدَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَى حَالٍ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>