جَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَصِفَاتُهُ الْعُلَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ
فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ وَيُقَالُ ايْمُنُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَمَنْ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ ثُمَّ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ إشْكَالٌ أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَحَلَفَ بِالْحَلِفِ يَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ أَيْضًا فَإِنَّ حَلِفَ الْخَلْقِ مُحْدَثٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ يَرِدُ الْإِشْكَالُ عَلَى مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْقَسَمَ فَقَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ مُوجِبَاتِ الْأَيْمَانِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُسَبِّبَاتٌ لِأَسْبَابِهَا وَأَسْبَابُهَا لَمْ تُوجَدْ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ لُزُومَ الْأَحْكَامِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُنْكِرُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ عَلَى سَبِيلِ النَّذْرِ فَيَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ النَّذْرِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْفِقْهِ الْمَنْذُورِ بَلْ هِيَ أَخْبَارٌ وَقَسَمٌ وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِلُزُومِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهَا مِنْ بَابِ النُّذُورِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَعْنَوِيَّةٌ وَذَاتِيَّةٌ وَسَلْبِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ وَمَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهِيَ الصِّفَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ فَهَذِهِ كُلُّهَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا مَعَ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةَ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا ابْتِدَاءً هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلَفْظُ اللَّهِ مَخْصُوصٌ بِالذَّاتِ فَانْدَرَجَتْ الصِّفَاتُ فِي الْمَأْمُورِ بِالصَّمْتِ بِهِ وَمُسْتَنَدُ الْمَشْهُورِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا حَكَاهُ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك» وَفِي هَذَا الْقَسَمِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إذَا حَلَفَ بِهِ قُلْنَا نَحْنُ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) إلَى قَوْلِهِ وَفِي هَذَا الْقِسْمِ مَسَائِلُ قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ)
قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ وَهُوَ هَلْ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ عُرْفٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ أَمْ لَا لَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَنْهُمْ وَدَفْعِ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ وَمَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُصَالَحَةُ لَا تُوجِبُ مِثْلَ تِلْكَ الْحُقُوقِ بَلْ يَكُونُونَ أَجَانِبَ مِنَّا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا بِرُّهُمْ وَلَا الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي ذِمَّتِنَا غَيْرَ أَنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فَقَطْ بَلْ نَقُومُ بِمَا الْتَزَمْنَا لَهُمْ فِي الْعَقْدِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي اتَّفَقْنَا عَلَيْهَا وَنَتْرُكُهُمْ يَنْفَصِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَنْصُرَ مَظْلُومَهُمْ وَلَا أَنْ نُوَاسِيَ فَقِيرَهُمْ وَاللَّازِمُ فِي عَقْدِ التَّأْمِينِ مُطْلَقُ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ)
تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ النَّوْعُ الْأَوَّلُ عِبَادَةٌ كَالصَّلَوَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالصَّوْمِ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالنَّذْرِ وَالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) صِفَاتُ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَتَوَحُّدَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَأَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْهَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى كَإِخْبَارِهِ تَعَالَى عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ أَوْ فِي كَلَامِنَا كَقَوْلِنَا قَتَلَهُ السُّمُّ وَأَحْرَقَتْهُ النَّارُ وَأَرْوَاهُ الْمَاءُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ غَيْرَهُ تَعَالَى فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا كَمَا شَاءَ وَأَرَادَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَسْبَابُ أَسْبَابًا عَادِيَّةً لِمُسَبِّبَاتِهَا كَمَا فِي سَبَبِيَّةِ السُّمِّ لِلْقَتْلِ وَالنَّارِ لِلْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ لِلْإِرْوَاءِ أَوْ أَسْبَابًا غَيْرَ عَادِيَّةٍ لِمُسَبِّبَاتِهَا كَمَا فِي إرَادَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ وَلَوْ شَاءَ تَعَالَى لَمْ يَرْبِطْهَا وَهُوَ الْخَالِقُ حَقِيقَةً لِمُسَبِّبَاتِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ هِيَ الْمُوجِدَةُ حَقِيقَةً قُلْت وَذَكَرَ شَيْخُ شُيُوخِنَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ دَخْلَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِسَالَةٍ