للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)

فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الْفِرَقِ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا كَالْمُطَابَقَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَمَثَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَقَالَتْ الْفِرَقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ هَا هُنَا وَإِنْ نَوَى بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ بِأَيِّ مَأْكُولٍ أَكَلَهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا دَلَّ مُطَابَقَةً عَلَى نَفْيِ الْأَكْلِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَمِنْ لَوَازِمِ مَصْدَرِ الْأَكْلِ مَأْكُولٌ مَا وَذَلِكَ الْمَأْكُولُ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ تَحْكِيمَ النِّيَّةِ فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَرْعُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ أَمَّا الِالْتِزَامُ فَتَبَعٌ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَتَقَرُّرُ اللَّفْظِ فِيهِ ضَعِيفٌ فَتُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا)

قُلْت فِي قَوْلِهِ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ الْقِيَامُ مَثَلًا وَالضَّرْبُ فَأَمَّا الْقِيَامُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ أَيْضًا عَلَى فَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِوُقُوعِ الْمَصْدَرِ مِنْ فَاعِلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ أَوْ مِنْ فَاعِلِهِ بِمَفْعُولِهِ إنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَمَا بُنِيَ اللَّفْظُ لَهُ أَوْ مَا تَقَيَّدَ بِهِ كَيْفَ يُقَالُ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْتِزَامًا بَلْ الْأَقْرَبُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ تَضَمُّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا إلَى آخِرِ احْتِجَاجِهِمْ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالُوهُ فِي أَثْنَاءِ احْتِجَاجِهِمْ مِنْ أَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ عَقْلِيَّةً بَلْ هِيَ وَضْعِيَّةٌ وَلَمْ يُوضَعْ لَفْظُ الْمَسْجِدِ مَثَلًا إلَّا لِجُمْلَتِهِ لَا لِجُمْلَتِهِ وَبَعْضِهِ وَهُوَ السَّقْفُ مَثَلًا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرِكًا وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُوضَعْ لِلسَّقْفِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّقْفِ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ عَقْلًا وَإِنَّمَا تَدُلُّ وَضْعًا وَقَدْ عُدِمَ الْوَضْعُ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، نَعَمْ هُنَا أَمْرٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يُذْكَرُ لَهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ أَوْ لَازِمَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ فَمَنْ اعْتَبَرَ هَذَا الْقَدْرَ وَسَمَّى هَذَا التَّذَكُّرَ دَلَالَةً فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ اللَّبْسُ فِي كَلَامِهِ عَلَى سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ يَذْكُرْ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّيْءِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوقِعْهُ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّذَكُّرِ بِالتَّوَاطُؤِ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوقِعُ الْغَلَطَ كَثِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عبق مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي بِذَاتِهَا لِلْقَسَمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ فَالنَّفْسِيَّةُ تَنْعَقِدُ بِهَا لَا بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا عَكْسُ الْفِعْلِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ وَوُجُودِ اللَّهِ كَانَ صَرِيحًا فِي الْقَدِيمِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ وَالْوُجُودِ مُعَرَّفًا بِأَلْ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ جَرَى فِيهِ مَا جَرَى فِي الْمَوْجُودِ بِالْمِيمِ

(اللَّفْظُ الْخَامِسَ عَشَرَ) مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْقِسْمِ أَعْنِي مَا لَمْ يُعْلَمْ قِدَمُ مَدْلُولِهِ وَلَا حُدُوثِهِ خَمْسَةَ عَشَرْ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ الَّذِي عَقِبَ هَذَا الْفَرْقِ عَنْ الْأَصْلِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلِفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ)

صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا ذَاتِيَّةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ وَلَا عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ وَلَا عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا مَعْنَوِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَدِيمٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ عَنْ الذَّاتِ وَإِمَّا فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا أَنْ تَشْمَلَ الْجَمِيعَ

(فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةَ هِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ لِلذَّاتِ لَا مَعَانٍ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ نَظِيرُ جَمْعِ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقِهِ فِي الْبَيَاضِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ أَمَّا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَهِيَ بِجُمْلَتِهَا صِفَاتٌ سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُودَ فِي الْأَعْيَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْهَا.

فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْقِدَمِ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ مَعْنَاهُ نَفْيُ لُحُوقِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ وَكَوْنُ النَّفْيِ عَلَى طَرِيقَةِ الِامْتِنَاعِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَوْنِ بَقَاءِ الذَّاتِ وَاجِبًا كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْقِدَمِ امْتِنَاعُ سَبْقِيَّةِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ فَلَا وُجُودَ لِمَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْأَعْيَانِ أَنَّهُ كَذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>