للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَثْبُتُ لَهُ تَحْرِيمٌ فِي أَثَرِ الْمُصَاهَرَةِ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْمِلْكِ وَالْعَقْدِ وَالشُّبْهَةِ وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُلَامَسَةِ بِلَذَّةٍ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصِدِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ وَهُوَ إنَّمَا حَرُمَ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَالْوَسِيلَةُ إذَا لَمْ تُفْضِ لِمَقْصِدِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ التَّحْرِيمَ بِالْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ وَالنَّظَرِ مُطْلَقًا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا اللَّمْسُ بِلَذَّةٍ مِنْ الْبَالِغِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَمِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ قَوْلَانِ وَبِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا يَنْشُرُ مُطْلَقًا وَفِي نَظَرِ الْبَالِغِ لِلَّذَّةِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ وَالشَّاذُّ لَا يَنْشُرُ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ لَا يُحَرِّمُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ وَاكْتَفَى فِي تَحْرِيمِ زَوْجَاتِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الرِّجَالِ وَحَمِيَّاتِهِمْ تَنْهَضُ بِالْغَضَبِ وَالْبَغْضَاءِ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيَخْتَلُّ نِظَامُ وُدِّ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَوُدُّ الْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ وَهُوَ سِيَاجٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الشَّرْعِ حَتَّى جُعِلَ خَرْقُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ قَالُوا أَوَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ» فَجَعَلَ التَّسَبُّبَ لِسَبِّ الْأَبِ بِسَبِّ الْأَجْنَبِيِّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ فَكَيْفَ لَوْ سَبَّهُ مُبَاشَرَةً قَالَ اللَّخْمِيُّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفِّ الْآبَاءِ كَمَا تَنْدَرِجُ جَدَّاتُ امْرَأَتِهِ وَجَدَّاتُ أُمِّهَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] وَبِنْتُ بِنْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُ ابْنِهَا وَكُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ.

وَإِنْ سَفَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: ٢٣]

(تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ لَيْسَتْ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالثُّلُثِ لِأُمٍّ وَلَمْ يُعْطِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْجَدَّةِ بَلْ حَرَمُوهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُمْ الْحَدِيثُ فِي السُّدُسِ وَصَرَّحَ بِالنِّصْفِ لِلْبِنْتِ وَلِلِابْنَتَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ عَلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (قَالَ اللَّخْمِيُّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفْظِ الْآبَاءِ إلَى قَوْلِ الشِّهَابِ فِي تَنْبِيهِهِ فَإِنْ دَلَّ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَإِلَّا أُلْغِيَ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ) قُلْت لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالَ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَشَبَهِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ يُغْنِي أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ فَهُوَ مَجَازٌ وَلَعَلَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ وَالْمَجَازُ الْمُبَاشِرُ لَكِنْ غَلَبَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ عُرْفًا فَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي اقْتِصَارِ الصَّحَابَةِ فِيمَا اقْتَصَرُوا بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ وَقَاعِدَةِ ذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ]

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ وَقَاعِدَةِ ذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ)

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ الْحَيَوَانُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِي أَكْلِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) حَيَوَانٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةٍ

(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) حَيَوَانٌ يَحِلُّ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ ذُو الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ وَلَا مَيْئُوسٍ مِنْهُ بِوَقْذٍ أَوْ نَطْحٍ أَوْ تَرَدٍّ أَوْ افْتِرَاسِ سَبْعٍ أَوْ مَرَضٍ وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ وَمِنْهُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ

(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) الْحَيَوَانُ الَّذِي لَيْسَ بِذِي دَمٍ مِمَّا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِثْلُ الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ ذَكَاةٌ أَمْ لَا

(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) الْحَيَوَانُ ذُو الدَّمِ الَّذِي يَكُونُ تَارَةً فِي الْبَحْرِ وَتَارَةً فِي الْبِرِّ مِثْلُ السُّلَحْفَاةِ وَغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ ذَكَاةٌ أَمْ لَا

(وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) أَصْنَافُ الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِيهَا

(وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِيهَا أَعْنِي فِي تَحْلِيلِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَسَلْبِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا اهـ بِتَصَرُّفٍ وَقَاعِدَةُ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ ذِي الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ إلَخْ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِقَصْدِ اسْتِخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَجْسَادِهَا الْمُحَلَّلَةِ الْأَكْلِ وَهِيَ الدِّمَاءُ وَالْأَخْلَاطُ كُلُّهَا بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ كَقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ فَإِنَّ قَطْعَ الْأَوْدَاجِ خَفِيفٌ عَلَى الْحَيَوَانِ فِي إخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوَسُّطِ أَوْ ضَرْبِ الْعُنُقِ وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ يُوجِبُ قَطْعَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ مَجْرَاهُ فَيَخْتَنِقُ الْحَيَوَانُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْمَوْتُ وَأَمَّا قَاعِدَةُ تَذْكِيَةِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّاتِ إذَا ذُكِيَتْ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا جَازَ أَكْلُهَا لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ اهـ فَتُفَارِقُ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا أَنَّ صِفَةَ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ إذَا أَرَادُوا اسْتِعْمَالَهَا فِي التِّرْيَاقِ الْفَارُوقِ أَوْ لِمُدَاوَاةِ الْجُذَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ تُمْسَكُ الْحَيَّةُ بِرَأْسِهَا وَذَنَبِهَا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا غَيْظٌ فَيَدُورَ السُّمُّ فِي جَسَدِهَا فَإِذَا أُخِذَتْ كَذَلِكَ ثُنِّيَتْ عَلَى مِسْمَارٍ مَضْرُوبٍ فِي لَوْحٍ ثُمَّ تُضْرَبُ بِآلَةٍ وَزَبْنَةٍ حَادَّةٍ كَالْقُدُومِ الَّذِي مِثْلُ الْمُوسَى فِي الْحِدَآتِ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ عَلَى تِلْكَ الْخَشَبَةِ وَيَقْصِدُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ آخِرَ الرَّقَبَةِ وَالذَّنَبِ مِنْ جِهَةِ رَقَبَتِهَا فَإِنَّ بَيْنَ رَأْسِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارًا رَقِيقًا وَبَيْنَ ذَنَبِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارًا رَقِيقًا فَيَتَجَاوَزُ ذَلِكَ الرَّقِيقَ مِنْ الْجِهَتَيْنِ حَتَّى يَصِلَ الْمِقْدَارُ الْغَلِيظُ الَّذِي فِي وَسَطِهَا فَلَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ بَلْ يُحَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>