فَكَذَلِكَ التَّكْبِيرُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالْمُقَارِنِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مِنْهُ لَا يَدْخُلُ بِهِ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ يُحْمَلُ السَّلَامُ عَلَى الْمُقَارِنِ لِآخِرِ الصَّلَاةِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُرِنَ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُحْوِجُ لِلتَّكْبِيرِ وَيُخْرِجُ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ لَبَطَلَ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ وَابْتُدِئَتْ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ فِي السَّهْوِ أَلْبَتَّةَ فَلَمَّا لَمْ تُعَدْ الصَّلَاةُ مِنْ أَوَّلِهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَجِدُ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا مُحْوِجٌ لِلتَّكْبِيرِ إلَّا مُشْكِلًا وَالْمُتَّجَهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ يَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يُحْوِجُ إلَى ذَكَاةٍ أُخْرَى وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ تُغْنِي عَنْهَا ذَكَاةُ أُمِّهِ فَإِنْ قُلْت فَذَكَاةُ الْجَنِينِ هِيَ الذَّبْحُ الْخَاصُّ فِي حَلْقِهِ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ فَجَعَلَ هَذِهِ الذَّكَاةَ عَيْنَ ذَكَاةِ أُمِّهِ إنَّمَا يَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِنَا أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِي أَنَّ عَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاةِ أُمِّهِ؟
قُلْت: سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى جَوْدَةِ ذِهْنٍ وَفِكْرٍ فِي فَهْمِهِ بِسَبَبِ النَّظَرِ فِي قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فَالْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً كَقَوْلِنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ فَنُضِيفُ الصَّوْمَ لِرَمَضَانَ وَالْحَجَّ لِلْبَيْتِ فَتَكُونُ إضَافَةً حَقِيقَةً وَلَوْ أَسْنَدْنَا الْفِعْلَ فَقُلْنَا صَامَ رَمَضَانُ بِأَنْ يُجْعَلَ الشَّهْرُ هُوَ الْفَاعِلَ أَوْ الْبَيْتَ يَحُجُّ لَمْ يَصْدُقْ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَيَنْفِرُ مِنْهُ سَمْعُ السَّامِعِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي هَاهُنَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذَكَّيْت الْجَنِينَ وَبَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فَذَكَّيْت الْجَنِينَ لَا يَصْدُقُ إلَّا إذَا قَطَعَ مِنْهُ مَوْضِعَ الذَّكَاةِ وَذَكَاةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ يَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يَحُوجُ إلَى ذَكَاةٍ أُخْرَى وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ تُغْنِي عَنْهَا ذَكَاةُ أُمِّهِ فَإِنْ قُلْتَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ هُوَ الذَّبْحُ الْخَاصُّ فِي حَلْقِهِ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ قُلْتُ لَيْسَ الذَّكَاةُ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً بَلْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً شَرْعِيَّةً.
قَالَ (فَجَعَلَ هَذِهِ الذَّكَاةَ عَيْنَ ذَكَاةِ أُمِّهِ إنَّمَا يَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِنَا أَبُو يُوسُف أَبُو حَنِيفَة وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي بِوَضْعِهِ أَنَّ عَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ هُوَ عَيْنُ ذَكَاةِ أُمَّةِ) قُلْتُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ عَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لَا غَيْرُ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّحِدُ مُتَعَدِّدًا.
قَالَ (قُلْتُ سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى جَوْدَةِ ذِهْنٍ وَفِكْرٍ فِي فَهْمِهِ بِسَبَبِ النَّظَرِ فِي قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فَالْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً كَقَوْلِنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِأَفْسَقِ النَّاسِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَإِذَا أَضَرَّ بِهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ الْجُلُوسُ وَيُقَارِضُ وَيُسَاقِي وَلَا يَمْنَعُهُ عِصْيَانُهُ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرُّخْصِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ هَذِهِ الرُّخَصِ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مُقَارِنَةٌ لِلسَّبَبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمَاءِ أَوْ الْعَجْزُ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَيْسَ هُوَ بِمَعْصِيَةٍ لَا أَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُبِيحَ لِلْعَاصِي جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُسَاوٍ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ضَرُورَةَ أَنَّ سَبَبَ أَكْلِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا سَفَرِهِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ فَالْمَعْصِيَةُ مُقَارِنَةٌ لِسَبَبِ الرُّخْصَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ عِلَّةِ الْإِذْنِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ عَدَمِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ عِلَّةِ الْإِذْنِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ عَدَمِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ)
وَذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى عَدِمَتْ عِلَّةُ الْإِذْنِ تَعَيَّنَ التَّحْرِيمُ وَمَتَى عَدِمَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ تَعَيَّنَ الْإِذْنُ فَعَدَمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ الْآخَرِ أَيْ عَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ.
وَأَمَّا عَدَمُ عِلَّةِ كُلٍّ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا وَغَيْرُ الْمَنْدُوبِ كَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَكْرُوهًا وَغَيْرُ الْمَكْرُوهِ كَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ تُوَضِّحُ اطِّرَادَ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ تُوَضِّحُ عَدَمَ اطِّرَادِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) النَّجَاسَةُ تَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْأَغْذِيَةِ لِلِاسْتِقْذَارِ أَوْ التَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ فَقُيِّدَ لِلِاسْتِقْذَارِ إلَخْ مُخْرِجٌ لِمَا تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهُ فِي الْأَغْذِيَةِ لَا لِأَجْلِ ذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِهِ مُضِرًّا كَالسَّمُومِ وَالْأَغْذِيَةِ وَالْأَشْرِبَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ فَلَا تَكُونُ نَجِسَةً وَمُدْخِلٌ لِلْخَمْرِ وَنَحْوَهَا مِمَّا قُضِيَ بِتَنْجِيسِهِ لَا لِاسْتِقْذَارِهِ بَلْ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِتَنْجِيسِهِ يُفْضِي إلَى إبْعَادٍ وَإِبْعَادُهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا فَالْقَوْلُ بِتَنْجِيسِهِ يُفْضِي إلَى مَطْلُوبٍ شَرْعًا وَمَا يُفْضِي إلَى الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبٌ فَتَنَجُّسُهُ مَطْلُوبٌ فَيَكُونُ نَجِسًا لِلتَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ لَا لِلِاسْتِقْذَارِ وَزِيَادَةٍ، وَالْأَغْذِيَةُ لَا لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ قَوْلُنَا تَحْرِيمَ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كَافِيًا وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ إلَى إبَاحَةِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ لِعَدَمِ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ