وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَإِعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ سَبَبِهِ، أَوْ شَرْطِهِ، أَوْ قِيَامِ مَانِعِهِ.
وَإِذَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إلَيْهَا لَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَهَهُنَا لَمَّا دَلَّ الْأَثَرُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَرْبَاحِ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ الرِّبْحِ وَالسِّخَالِ فِي الْمَاشِيَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ تَحْقِيقًا لِلشَّرْطِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ فَإِنَّ الْحَوْلَ لَمْ يَدُرْ عَلَيْهِمَا فَيُفْعَلُ ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْطِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَاخْتَلَفَ فِي هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يُقَدِّرُ حَالَةَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرِّبْحِ فَقَدَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عِنْدَهُ لِمُلَازَمَةِ السَّبَبِ لِمُسَبَّبِهِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ يُقَدِّرُ يَوْمَ الْحُصُولِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرَيْنِ تَقْدِيرِ الشِّرَاءِ وَالْأَعْيَانِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الرِّبْحِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَعِنْدَ الْمُغِيرَةِ التَّقْدِيرُ يَوْمَ مِلْكِ أَصْلِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ.
وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى عَشَرَةٍ فَأَنْفَقَ مِنْهَا خَمْسَةً وَاشْتَرَى سِلْعَةً بِخَمْسَةٍ فَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجِبُ الزَّكَاةُ إنْ تَقَدَّمَ الشِّرَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ كَانَ الْمَالُ عَشَرَةً وَهَذِهِ عَشَرَةٌ رِبْحٌ فَكَمَلَ النِّصَابُ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ وَأَسْقَطَهَا أَشْهَبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ عِنْدَهُ يَوْمَ الْحُصُولِ وَيَوْمَ الْحُصُولِ لَمْ تَكُنْ إلَّا خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَوْجَبَهَا الْمُغِيرَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ يَوْمَ مِلْكِهِ الْعَشَرَةَ وَلَا عِبْرَةَ بِتَقْدِيمِ الْإِنْفَاقِ وَعَدَمِهِ وَعَنْ مَالِكٍ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَا يُحْتَاجُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَإِعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ إلَى قَوْلِهِ مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْطِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ) .
قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَمْ تَدْعُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ حِكَايَةِ أَقْوَالٍ وَتَوْجِيهِهَا، وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
خَافَ فَوَاتَهُ، وَتَضْعِيفُهُمْ لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَزِيدِ مَشَقَّةِ الْحَجِّ وَعَدَمِ إمْكَانِهِ كُلَّ وَقْتٍ، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ كَلَامِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِهِمْ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلُ، وَإِلَّا صَلَّى وَلَوْ فَاتَ وَقَدْ قَالُوا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَجِّ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ حَصَلَ لَهُ دَوْخَةٌ تَمْنَعُهُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ]
(الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ) .
عَنْ الْمُكَلَّفِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ عَقْلًا فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ قَلْبِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الْقَلْبِيَّةَ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ النِّيَّةِ كَإِحْجَاجِ الصَّبِيِّ وَسَائِرِ نِيَّاتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَغَيْرَ الْقَلْبِيَّةِ إنْ كَانَتْ مَالِيَّةً مَحْضَةً كَرَدِّ الْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلُحُومِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَذَبْحِ النُّسُكِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَالِيَّةٍ مَحْضَةٍ فَبَعْضُهُمْ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهَا، وَبَعْضُهُمْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا.
وَجَعَلَ الْأَصْلَ ضَابِطًا لِلْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِذَاتِ الْفَاعِلِ بِحَيْثُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ مُنِعَتْ فِيهِ النِّيَابَةُ قَطْعًا وَذَلِكَ كَالْيَمِينِ مَصْلَحَتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي فَلَا تَحْصُلُ بِحَلِفِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَلِذَا يُقَالُ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ وَيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ وَكَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ مَصْلَحَتُهُ إجْلَالُ اللَّهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَكَوَطْءِ الزَّوْجَةِ مَصْلَحَتُهُ الْإِعْفَافُ وَتَحْصِيلُ وَلَدٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِذَاتِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مَصْلَحَتِهِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ صَحَّتْ فِيهِ النِّيَابَةُ قَطْعًا وَذَلِكَ كَرَدِّ الْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الزَّكَوَاتِ مِمَّا مَصْلَحَتُهُ إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَهْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ فَيَبْرَأُ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ، وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِجِهَةِ الْفِعْلِ وَلِجِهَةِ الْفَاعِلِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَيِّ الشَّائِبَتَيْنِ تُغَلَّبُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالْحَجِّ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ كَمَا أَنَّهَا تَأْدِيبُ النَّفْسِ بِمُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ، وَتَهْذِيبُهَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ لِتَذَكُّرِ الْمَعَادِ وَالِانْدِرَاجِ فِي الْأَكْفَانِ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ، وَإِظْهَارِ الِانْقِيَادِ مِنْ الْعَبْدِ لِمَا لَمْ يُعْلَمْ حَقِيقَتُهُ كَمَرْمَى الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى بُقْعَةٍ خَاصَّةٍ دُونَ سَائِرِ الْبِقَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تَحْصُلُ إلَّا لِلْمُبَاشِرِ كَالصَّلَاةِ.
كَذَلِكَ مَصْلَحَتُهُ الْقُرْبَةُ الْمَالِيَّةُ غَالِبًا إذْ لَا يُعَرَّى عَنْ الْإِنْفَاقِ فِي سَفَرِهِ غَالِبًا فَلَمَّا لَاحَظَ غَيْرُ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ مَصْلَحَتَهُ الثَّانِيَةَ قَالُوا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ وَلَمَّا لَاحَظَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ مَصْلَحَتَهُ الْأُولَى قَالُوا لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ