للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ الْحَالَ فَتَكُونُ وَاجِبَةً فَهَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ وَأَمَّا مُدْرَكُ التَّعْلِيقِ فَهُوَ قَوْلُنَا مُعَلَّقًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: لَا تَخْرُجْ إلَّا ضَاحِكًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَانْتَظَمَ مُعَلَّقًا مَعَ أَنَّ بِالْبَاءِ الْمَحْذُوفَةِ وَاتُّجِهَ الْأَمْرُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْأَفْعَالِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْعَسِيرَةِ الْفَهْمِ وَالتَّقْدِيرُ فَرْعٌ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى دُخُولِ الدَّارِ طَلُقَتْ بِدُخُولِ الدَّارِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَلَوْ قَالَ لَهَا: جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك لَمْ تَطْلُقْ بِدُخُولِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْجَعْلِ التَّعْلِيقَ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ خَاصَّةً فَإِنْ أَرَادَ نَصْبَهُ بِغَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْهِلَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ.

(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) قَدْ يُذْكَرُ الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ وَضَابِطُهُ أَمْرَانِ: الْمُنَاسَبَةُ وَعَدَمُ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: ١١٤] وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ مَعَ الْعِبَادَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَوْصُوفُونَ بِصِفَةٍ تَحُثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَتَبْعَثُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ وَالتَّذَلُّلُ فَافْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّرٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَكُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» مَعْنَاهُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ حَاثٌّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيُؤْمَرُونَ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ مَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُك: أَطِعْنِي إنْ كُنْت ابْنِي لَسْت تَشُكُّ فِي بُنُوَّتِهِ بَلْ تُنَبِّهُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الطَّاعَةِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ) قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: ٣٢] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْبَيَانِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَ قَوْلِهِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ قَدْ يُذْكَرُ الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ قَالَ: وَضَابِطُهُ أَمْرَانِ الْمُنَاسَبَةُ وَعَدَمُ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: ١١٤] إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ.

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: ٣٢] إلَى آخِرِهَا)

قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: ٣٢] مُحْتَمَلٌ وَلَيْسَ بِاللَّازِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلَهُنَّ بِشَرْطِ التَّقْوَى وَيَكُونُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إرْشَادًا إلَى مَا كَانَ إلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِ التَّقْوَى وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ أَهْلُ الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ صَحِيحٌ لَوْ أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ لِلْمَدْحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَرِدْ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَيْهِ مَشْكُوكًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ مَشْكُوكٍ غَيْرَ أَنَّ إنْ لَيْسَتْ بِظَرْفٍ وَإِذَا ظَرْفٌ فَلِذَا يُقَالُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَا يُقَالُ إنْ غَرَبَتْ وَمِنْ اسْتِعْمَالِ إنْ فِي الْمَشْكُوكِ إنْ يَكُنْ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ فَالْعَشَرَةُ اثْنَانِ وَإِنْ يَكُنْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ فَالْخَمْسَةُ زَوْجٌ إذْ الْمَعْنَى مَتَى فُرِضَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ أَوْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ كَانَ اللَّازِمُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ الْمُحَالِ هَذَا اللَّازِمُ الْمُحَالُ فَإِنَّ فَرْضَ الْمُحَالِ وَاقِعًا جَائِزٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَى الْمَفْرُوضِ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ إذْ الْغَرَضُ وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فِي الْوَاقِعِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ لَا يَقَعَ وَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى أَنَّ كَوْنَهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَكَوْنَهُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ وَنَحْوِهِمَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَادَةِ مَشْكُوكًا فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ وَكُلُّ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ يَحْسُنُ تَعْلِيقُهُ بِأَنْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ سَوَاءً كَانَ مَعْلُومًا لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلسَّامِعِ أَوْ لَا فَظَهَرَ أَنَّ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَالْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا الْمَشْكُوكُ فِيهِ وَإِذَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْمَشْكُوكُ وَالْمَعْلُومُ.

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ]

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الثَّمَانِيَةِ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَزَلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْأَزَلِ وَلَا دَاعِيَ لِتَكَلُّفِ الْجَوَابِ عَنْ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: ١٦] {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} [النساء: ١٣٣] {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال: ٧٠] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» فَتَنَبَّهْ.

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ]

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) أَدَوَاتُ الشَّرْطِ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمُعَلِّقِ بِتَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَمَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ يَقْتَصِرُ مِنْ الْمُعَلِّقِ عَلَى فَرْدٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمَنَاطِقَةَ اقْتَصَرُوا فِيمَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>