للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ

(عَنْ الْأَوَّلِ) بِأَنَّ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضَ يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَمِ فَوَقَعَ الِالْتِزَامُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَثْبُتَانِ فِي الذِّمَمِ وَالتَّصَرُّفُ يَعْتَمِدُ الْمَوْجُودَ الْمُعَيَّنَ أَوْ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا انْتَفَيَا مَعًا بَطَل التَّصَرُّفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَذَلِكَ هَاهُنَا

(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] أَمْرٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْأَوَامِرُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَالْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ وَصَارَ مَاضِيًا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ إلَّا بِالْوَفَاءِ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَفَاءِ بِمُقْتَضَاهُ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمُقْتَضَيَاتِ الْعُقُودِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَيُوَفَّى بِمُقْتَضَاهُ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي مُقْتَضَاهُ مَا هُوَ هَلْ لُزُومُ الطَّلَاقِ أَمْ لَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآيَةِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْكَوْنَ عِنْدَ الشُّرُوطِ إنَّمَا هُوَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا وَكَوْنَ الطَّلَاقِ مِنْ مُقْتَضَاهَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُقْتَضَى الشَّرْطِ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ إجْمَاعًا.

وَأَمَّا الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَمَسَّكُ بِالْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيَّ فِي الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ هُوَ لُزُومُ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيِّ لَكَانَ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ شَرْعًا الْوَفَاءُ بِهِ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْوُجُوبَ إلَّا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِإِنْكَاحِهِنَّ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ إرْقَاقِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ. اهـ

كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ مُلَخَّصًا قَالَ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ لَمْ يُجِيزُوا النِّكَاحَ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي فَرَعَيْنَ مَشْهُورَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) هَلْ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ طُولٌ أَوْ لَيْسَتْ بِطُولٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طُولٌ وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَتْ بِطُولٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ

(وَالْفَرْعُ الثَّانِي) هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ فِيهِ هَذَانِ الشَّرْطَانِ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفَرْعَيْنِ هُوَ أَنَّ خَوْفَ الْعَنَتِ هَلْ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي الْعَزَبِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَزَبًا بَلْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لَوْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَزَبًا أَوْ مُتَأَهِّلًا لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ الْأُولَى حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَانِعَةً مِنْ الْعَنَتِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى حُرَّةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ الْعَنَتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى الْأُولَى وَلَوْ حُرَّةً أَمَةً لِأَنَّ مَعَ هَذِهِ الْحُرَّةِ فِي خَوْفِ الْعَنَتِ كَحَالِهِ قَبْلَهَا وَبِخَاصَّةِ إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْ الْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا لَكِنْ اعْتِبَارُ خَوْفِ الْعَنَتِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَهَلْ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ أَوْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؟

قَوْلَانِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إذَا وَجَدَ طَوْلًا بِحُرَّةٍ هَلْ يُفَارِقُ الْأَمَةَ أَمْ لَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا إذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ خَوْفُ الْعَنَتِ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا. اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَمْوَالِ]

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ)

قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَوْ سَفِيهَةً دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَوْ فَاجِرَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَوْ لَا وَيَجُوزُ لَهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الْجَبْرِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ سَفِيهَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الْبِكْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الثَّيِّبِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» اهـ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ خَمْسَةٍ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ كَمَا يُكْتَفَى بِالرُّشْدِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَذَلِكَ يُكْتَفَى بِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ تَصَرُّفُهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَوْلَى مِنْ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٤] فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَضَافَ إلَيْهِنَّ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْفِعْلَ فَقَالَ {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] وَقَالَ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي إذْنِ الشَّرْعِ لَهُنَّ فِي الْمُبَاشَرَةِ

(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>