للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ تَقْدِيمِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهِ مَعَ تَحْصِيلِ أَصْلِ التَّقَرُّبِ أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسُ الْمَنْذُورَاتِ كُلِّهَا كَذَلِكَ يُقَدَّمُ فَاضِلُهَا عَلَى مَفْضُولِهَا وَيُخْرَجُ الْقَمْحُ بَدَلَ الشَّعِيرِ فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ.

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْذُورَاتِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْأَوَامِرَ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ كَمَا أَنَّ النَّوَاهِيَ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصْلَحَةُ إنْ كَانَتْ فِي أَدْنَى الرُّتَبِ كَانَ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا النَّدْبَ.

وَإِنْ كَانَتْ فِي أَعْلَى الرُّتَبِ كَانَ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا الْوُجُوبَ ثُمَّ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَتَرَقَّى وَيَرْتَقِي النَّدْبُ بِارْتِقَائِهَا حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مَرَاتِبِ النَّدْبِ يَلِي أَدْنَى مَرَاتِبِ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمَفْسَدَةِ التَّقْسِيمُ بِجُمْلَتِهِ وَتَرْتَقِي الْكَرَاهَةُ بِارْتِقَاءِ الْمَفْسَدَةِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمَكْرُوهِ يَلِي أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّحْرِيمِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي تَصْلُحُ لِلنَّدَبِ لَا تَصْلُحُ لِلْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ النَّدْبُ فِي الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الشَّرْعَ خَصَّصَ الْمَرْتَبَةَ الْعُلْيَا مِنْ الْمَصَالِحِ بِالْوُجُوبِ وَحَثَّ عَلَيْهَا بِالزَّوَاجِرِ صَوْنًا لِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ عَنْ الضَّيَاعِ كَمَا خَصَّصَ الْمَفَاسِدَ الْعَظِيمَةَ بِالزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ تَفَضُّلًا مِنْهُ تَعَالَى عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا وُجُوبًا عَقْلِيًّا كَمَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرَتِّبْ ذَلِكَ، هَذَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَجْعَلْ صَاحِبُ الشَّرْعِ شَيْئًا سَبَبَ وُجُوبِ فِعْلٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ إلَّا وَذَلِكَ السَّبَبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ تُنَاسِبُ الْوُجُوبَ فَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ جَعَلَهَا سَبَبَ النَّدْبِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ فَبَذْلُ الرَّغِيفِ لِلْجَوْعَانِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَاجِبٌ.

وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الضَّرُورَةُ وَهَذَا السَّبَبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى حِفْظِ حَيَاتِهِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ تَصْلُحُ لِلْوُجُوبِ وَبَذْلُ الرَّغِيفِ لِمَنْ يَتَوَسَّعُ بِهِ عَلَى عَائِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَسَبَبُ هَذَا النَّدْبِ التَّوْسِعَةُ دُونَ دَفْعِ ضَرُورَةٍ فَلَمْ تَقْتَضِ التَّوْسِعَةُ الْوُجُوبَ لِقُصُورِ مَصْلَحَتِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي بَابِ الْأَوَامِرِ وَفِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

أَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ أَيُّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ عَمِلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ وَهُوَ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلُهُ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ كَمَا يَتَأَدَّبُوا مَعَ أَمَاثِلِهِمْ فَإِنَّهُ تَشْبِيهٌ لَا أَرْتَضِيه وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ كُلُّهُ.

وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُمَا وَهُوَ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ مَا عَدَا قَوْلَهُ فِي انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَمَا عَدَا قَوْلَهُ أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ يَلْزَمُ فِيهِ التَّعَارُضُ دُونَ قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالسِّتِّينَ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ سَبَبُ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ يَتَوَقَّفُ حُصُولِ مُسَبِّبَاتِهَا عَلَى حُصُولِهَا وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَيْهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَى السَّرِقَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ السَّرِقَةِ فَيَجِبَ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ، بَلْ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ بِالْفِعْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَقُمْ النِّيَّةُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حِلِّ الْيَمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِهِ عَلَى شُرُوطِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ رَفْعُ الْيَمِينِ نَعَمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ قَالَهُ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَأْثِيرَ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهِ رَفْعُ الْيَمِينِ أَوْ حِلُّهَا فَهُوَ أَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ الَّذِي لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ فَقَطْ دُونَ الْقَصْدِ وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَلْيُنْظَرْ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا يَنْبَنِي التَّحْقِيقُ فِيهَا إلَّا عَلَى ذَلِكَ وَمَا نَظَرَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ مَنَابَهَا وَكَذَلِكَ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَعْمَالِ إنَّمَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْيَانُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَيْنُ اسْتِثْنَاءِ الْمَشِيئَةِ لَفْظًا اسْتَوَى الْأَمْرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَلَا وَمَا حَكَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ مُتَّجَهٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النُّصُوصِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ)

إذْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَتَانِ فِي الْأَوَّلِ وَيَبَرَّ بِإِعْطَاءِ الْمُخَاطَبِ دِرْهَمَيْنِ فِي الثَّانِي فَلَوْ تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً فِي الْأَوَّلِ وَإِلَّا دِرْهَمًا فِي الثَّانِي وَاكْتَفَى بِنِيَّةِ ذَلِكَ لَمْ تَكْفِهِ هَذِهِ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَوْ كَفَّتْهُ لَدَخَلَ الْمَجَازُ

<<  <  ج: ص:  >  >>