للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَمَالِ.

(السَّبَبُ الثَّالِثُ) الْكَرَامَةُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِتَوَقُّعِ فَسَادِ الْقُلُوبِ وَحُصُولِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ كَمَا كَرِهَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ الدُّعَاءَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ فَيَجْتَمِعُ لِهَذَا الْإِمَامِ التَّقَدُّمُ فِي الصَّلَاةِ وَشَرَفُ كَوْنِهِ نَصَّبَ نَفْسَهُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ عَلَى يَدِهِ بِالدُّعَاءِ، وَيُوشِكُ أَنْ تَعْظُمَ نَفْسُهُ عِنْدَهُ فَيَفْسُدَ قَلْبُهُ وَيَعْصِيَ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُطِيعُهُ وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمِهِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ بِدَعَوَاتٍ فَقَالَ لَا إنِّي أَخْشَى أَنْ تَشْمَخَ حَتَّى تَصِلَ إلَى الثُّرَيَّا إشَارَةً

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْثِيرِهِ الْأَمْثِلَةَ اهـ، وَقَدْ أَطَالَ الْغَزَالِيُّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ فِي مِنْهَاجِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَعَلَّك تَقُولُ أَطْنَبْت فِي هَذَا الْفَصْلِ خِلَافَ شَرْطِ الْكِتَابِ فَأَقُولُ لَعَمْرُ اللَّهِ إنَّهُ لَقَلِيلٌ فِي جَنْبِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى إذْ هُوَ أَهَمُّ شَأْنًا فِي الْعِبَادَةِ بَلْ عَلَيْهِ مَدَارُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْعُبُودِيَّةِ فَمَنْ لَهُ هِمَّةٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلْيَسْتَمْسِكْ بِذَلِكَ وَلْيُرَاعِهِ حَقَّهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ الْمَقْصُودِ بِمَعْزُولٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى بَصِيرَةِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ أَنَّهُمْ بَنَوْا أَمْرَهُمْ عَلَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَقَطْعِ الْعَلَائِقِ كُلِّهَا فَكَمْ صَنَّفُوا مِنْ كِتَابٍ وَكَمْ أَوْصَوْا بِوَصِيَّةٍ وَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُمْ أَعْوَانًا مِنْ السَّادَةِ وَأَصْحَابًا حَتَّى يَتَمَشَّى لَهُمْ مِنْ الْخَيْرِ الْمَحْضِ مَا لَمْ يَتَمَشَّ لِطَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْأَئِمَّةِ الْأَزْهَادِ الْكَرَامِيَّةِ فَإِنَّهُمْ بَنَوْا مَذَاهِبَهُمْ عَلَى أُصُولٍ غَيْرِ مُسْتَقِيَةٍ وَمَا زِلْنَا أَعِزَّةً مَا دُمْنَا عَلَى مِنْهَاجِ أَئِمَّتِنَا اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ.

[الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ]

(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦] وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لَا تُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْخَسْفِ الْعَامِّ وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَنَا، وَمِنْهَا أَنْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَسْتَأْصِلُهَا، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ لِمَرِيضٍ أَوْ مُصَابٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ هَذِهِ الْمِرْضَةَ أَوْ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِفُلَانٍ الْكَافِرِ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الْخَمْسَةِ حَرَامٌ لَيْسَ بِكُفْرٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ.

(أَمَّا الْأَوَّلُ) فَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ.

(أَمَّا الثَّانِي) فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَبَّهُ فِي إعْفَاءِ أُمَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ.

(أَمَّا الثَّالِثُ) فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.

(وَأَمَّا الرَّابِعُ) فَلِأَنَّ النُّصُوصَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ السُّخْطِ لَا يُخِلُّ بِذَلِكَ التَّكْفِيرِ بَلْ يُجَدِّدُ ذَنْبًا آخَرَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ اسْتَدَانَ فَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ الْمُصَاب لَا يُقَالُ أَنَّهُ بِسُخْطِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا بَلْ يُقَالُ بَرِئَ مِنْ عُهْدَةِ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَدَّدَ ذَنْبًا آخَرَ بِسُخْطِهِ.

(وَأَمَّا الْخَامِسُ) فَلِأَنَّ السَّمْعَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قَالَ وَطَلَبُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ تَعَالَى إذْ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ التَّأْدِيبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَأَوْجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجْعَلْ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا لَبَادَرْنَا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ لِقُبْحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ فِي دُعَائِهِ. نَعَمْ مَحِلُّ حُرْمَةِ قَوْلِ الدَّاعِي {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} [البقرة: ٢٨٦] وَقَوْلِهِ {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦] إنْ أَرَادَ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ الْغَفْلَةِ الَّذِي هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصْرِ وَالْإِجْمَاعِ وَأَرَادَ بِمَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ التَّكَالِيفَ الشَّرْعِيَّةَ فَإِنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] أَمَّا إنْ أَرَادَ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ التَّعَمُّدِ وقَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: ٣٤] وقَوْله تَعَالَى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧] أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ فَهَذَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ مِنْ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَالْمَكْرُوهَاتِ جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ تَدُلَّ النُّصُوصُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْعُمُومَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لَا بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْعَادَةِ عَصَى لِاشْتِمَالِ الْعُمُومِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ فِيهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: ١٩٤] وَإِنْ كَانَ طَلَبَ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ.

وَقَدْ مَدَحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ سُؤَالَ مَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ بِهِ إنَّمَا جَازَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ لَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ وَهَذَا شَرْطٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ فَمَا طَلَبُوا إلَّا مَشْكُوكًا فِي حُصُولِهِ لَا مَعْلُومَ

<<  <  ج: ص:  >  >>