للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْكِبْرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ لَهُ التَّرْكُ حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ السَّلَامَةُ.

(السَّبَبُ الرَّابِعُ) كَوْنُ مُتَعَلِّقِهِ مَكْرُوهًا فَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ لَا كَرَاهَةَ الْمَقَاصِدِ كَالدُّعَاءِ بِالْإِعَانَةِ عَلَى اكْتِسَابِ الرِّزْقِ بِالْحِجَامَةِ وَنُزُوِّ الدَّوَابِّ وَالْعَمَلِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيَّاتِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ بِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الدُّعَاءِ بِكُلِّ مَا نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهِ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ.

(السَّبَبُ الْخَامِسُ) لِلْكَرَاهَةِ عَدَمُ تَعْيِينِهِ قُرْبَةً بَلْ يُطْلَقُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ فِي الْكَلَامِ وَتَحْسِينِ اللَّفْظِ مِنْ الَّذِي يُلَابِسُهُ كَمَا يَجْرِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْحُصُولِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْعَكْسِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ بِالضَّرُورَةِ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ مُطْلَقًا.

وَكَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ إنَّ كَوْنَ الدَّاعِي يَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أُمَّتِهِ مَجْهُولٌ فَمَا طَلَبَ إلَّا مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى التَّقْرِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي هَذَا الرَّفْعِ وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَ الْمَفْهُومِ حُجَّةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ هَاهُنَا إجْمَاعًا، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ الْكَفَّارَةُ إمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا فَالرَّفْعُ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْفُرُوعِ النِّسْيَانِ وَغَيْرِهِ فَيَبْطُلُ الْمَفْهُومُ وَاسْتَوَتْ الْخَلَائِقُ فِي الرَّفْعِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ فَلَا يَكُونُ قَدْ شُرِعَ فِي حَقِّهِمْ مَا لَيْسَ سَبَبًا فِي حَقِّنَا بَلْ كُلُّ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ التَّرْخِيصِ أَوْ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّنَا لَهُوَ سَبَبُ مَا ذُكِرَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ خُصُوصُ الْأُمَّةِ شَرْطًا فِي الرَّفْعِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْكُفَّارَ فِي الْفُرُوعِ أَشَدُّ حَالًا مِنْ الْأُمَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَلَيْسَ هُنَالِكَ فِي النِّسْيَانِ وَالْخَطَإِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الشَّارِعُ قَدْ أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ فِي الْأُمُورِ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِهِ.

وَأَمَّا إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: ٤٧] وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُمْ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْ يَكُونُ فِي الْأَعْرَافِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ وَلَمْ يُعْلَمْ فِي هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ قَدْ سَمِعُوا تِلْكَ النُّصُوصَ فِي الدُّنْيَا وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنْ النَّارِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لَا يَدْخُلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ لَهُمْ، فَلَا يَرِدُ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لِقَوْلِ الْمُفَسَّرَيْنِ إنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَهُمْ عَلَى خَوْفٍ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ وَأَهْوَالُ الْقِيَامَةِ تُوجِبُ الدَّهَشَ عَنْ الْمَعْلُومَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّسُلَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَمَّا قِيلَ لَهُمْ {مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} [المائدة: ١٠٩] لِاسْتِيلَاءِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ جِهَةِ هَوْلِ الْمَنْظَرِ، عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ وَلَا ذَمَّ إلَّا مَعَ التَّكْلِيفِ. اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَعْصِيَةٌ إلَّا مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَكَيْفَ يُقَاسُ الْخَالِقُ بِالْمَخْلُوقِ وَالرَّبُّ بِالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ النَّقْصُ وَالْمَخْلُوقُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّقْصُ، ثُمَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ عَرِيٌّ عَنْ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى طَلَبِ مِثْلِهِ أَوْ الْإِجَابَةِ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ وَلِمَ لَا يَكُونُ الدُّعَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ وَبِمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَمْتَنِعُ وَيَتَعَذَّرُ عَقْلًا وَعَادَةً مُتَنَوِّعًا بِحَسَبِ الدَّاعِي بِهِ فَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ تَعَذُّرِهِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْغَافِلِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ غَافِلٍ فَإِنْ كَانَ قَاصِدُ الطَّلَبِ ذَلِكَ الْمُتَعَذِّرَ بِعَيْنِهِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْعِوَضَ كَمَا إذَا طَلَبَ غَيْرَ الْمُتَعَذِّرِ وَكَانَ مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ جَزَاءً لَهُ عَلَى لَجْئِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِهَالِهِ إلَى عَظِيمِ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا التَّلَاعُبَ وَالِاسْتِهْزَاءَ أَوْ أَوْ التَّعْجِيزَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَاهُنَا يَكُونُ عَاصِيًا بِسَبَبِ قَصْدِهِ ذَلِكَ وَبِمُجَرَّدِ دُعَائِهِ بِالْمُتَعَذِّرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّهَابِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ.

وَإِنْكَارُ السَّامِعِ لِقَوْلِ الدَّاعِي اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِسَبَقِ الظَّنِّ السَّيْءِ بِذَلِكَ الدَّاعِي إلَى نَفْسِ السَّامِعِ لِذَلِكَ الدُّعَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ حَالُ الدَّاعِي فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ بَلْ إنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ كَانَ عَاصِيًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّسْيَانَ الْعُرْفِيَّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِمَّا لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَأَنَّ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ عَنْ التَّسَبُّبِ، وَطَلَبُ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ طَلَبٌ لِلْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ عَنْهُ اهـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْجَلَالَ السُّيُوطِيّ فِي تَكْمِلَتِهِ لِتَفْسِيرِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ قَالَ مَا تَوْضِيحُهُ مِنْ حَاشِيَةِ الْجَمَلِ عَلَيْهِ إنَّ طَلَبَ رَفْعِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ اعْتِرَافًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ قَالَ الْجَمَلُ أَيْ فَالْقَصْدُ مِنْ سُؤَالِ هَذَا الرَّفْعُ وَطَلَبُهُ الْإِقْرَارَ وَالِاعْتِرَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>