للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ مِثْلُ الَّذِي هُوَ نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ مُضَافٌ لِذَكَاةِ أُمِّهِ فَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَتَى أُقِيمَ مَقَامَ الْمُضَافِ أُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ وَحُذِفَ النَّاصِبُ لِهَذَا الْمَصْدَرِ مَعَ الْمَصْدَرِ وَنَعْتِهِ وَبَقِيَ الْكَلَامُ كَمَا تَرَى فَهَذَا تَقْرِيرُ مَذْهَبِهِمْ.

وَوَجْهُ الْحُجَّةِ لَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَنَا عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ مَا يَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ يَصِحُّ النَّصْبُ بِتَقْدِيرٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُنَا ذَكَاةُ الْجَنِينِ دَاخِلَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَيَكُونُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ عَلَى السِّعَةِ أَوْ عَلَى الظَّرْفِ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَانْتَصَبَ الْمَجْرُورُ وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَحْذُوفَ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَهِيَ قَوْلُنَا دَاخِلَةٌ وَحَرْفُ الْجَرِّ إنْ قُلْنَا بِهِ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِكُمْ فَيَكُونُ الْمَحْذُوفُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قِلَّةَ الْحَذْفَ أَوْلَى فَيَكُونُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وَثَانِيهِمَا أَنَّ تَقْدِيرَنَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ رِوَايَةِ النَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَعَدَمِ التَّعَارُضِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ يُفْضِي إلَى التَّعَارُضِ وَمَا أَفْضَى إلَى عَدَمِ التَّعَارُضِ كَانَ أَوْلَى فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى (مَسْأَلَةٌ)

قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إذَا طَالَ مَرَضُهَا أَوْ تَعِبَتْ مِنْ السَّيْرِ فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا ذَبْحُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا لِتَحْصُلَ رَاحَتُهَا مِنْ الْعَذَابِ وَقِيلَ تُعْقَرُ لِئَلَّا يُغْرِيَ النَّاسَ ذَبْحُهَا عَلَى أَكْلِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْقَرُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةِ

(فَرْعٌ) مُرَتَّبٌ إذَا تَرَكَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَفَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ اسْتِيعَابُ هَذَا الْبَابِ بِعِلَلِهِ وَمَقَاصِدِهِ إذَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَمَّا غَيْرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّيْدُ فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْقَصْدَ إلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الْحَرَامِ الْمُسْتَخْبَثِ مِنْ اللَّحْمِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ فِيهَا مُمْكِنٌ بِآلَةٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَيَسِّرٌ فِي الْإِنْسِيِّ.

وَقَدْ تَعَذَّرَ فِي الْوَحْشِيِّ اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ وَسُهُولَةُ الطَّرِيقِ وَبَقِيَ الْقَصْدُ وَالْآلَةُ وَنَزَلَ السَّهْمُ مَنْزِلَةَ الْمُدْيَةِ لِضَرُورَةِ الْفِرَارِ وَالتَّوَحُّشُ فَهُوَ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ الْجَارِحُ لِأَنَّهُ لَهُ اخْتِيَارٌ يَبْعُدُ بِسَبَبِهِ عَنْ كَوْنِهِ آلَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ عَارَضَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا عَدَمَ الْعَقْلِ فِيهِ فَعَدَمُ عَقْلِهِ مُخِلٌّ بِاخْتِيَارِهِ مُضَافًا إلَى التَّعْلِيمِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَالْأَوْهَامُ الَّتِي حَصَّلَهَا فِيهِ الْآدَمِيُّ بِسَبَبِ التَّعْلِيمِ وَالسِّيَاسَةِ الْخَاصَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ مُقَرَّبًا لِكَوْنِهِ آلَةً لَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجُوسِيُّ آلَةً لِعَقْلِهِ وَكَمَالِ اخْتِيَارِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةً كَافْتِرَاسِ الْوُحُوشِ كَمَا جَعَلَ نِسَائَهُمْ كَالْبَهَائِمِ يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعْظِيمِهِمْ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ وَالرُّسُلَ الرَّبَّانِيَّةَ فَاهْتُضِمُوا إلَى حَيْثُ جُعِلُوا كَالْبَهَائِمِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بَيْن قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ يَتَكَرَّرُ التَّأْثِيمُ وَبَيْن قَاعِدَة مُخَالِفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ]

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ التَّأْثِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ بَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْمُخَالَفَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْيَمِينِ فِيمَا عَدَاهَا وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ) مَعَ عُمُومِ الصِّيغَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي الْيَمِينِ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت نَفْيٌ لِلْفِعْلِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنَّ لَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ مَعَ لَنْ وَقَالَ لَنْ أَشَدُّ عُمُومًا وَذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: ١٣] أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَوْتٌ وَلَا حَيَاةٌ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ إذَا قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ لَا تَكْذِبْ أَوْ لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَحَيْثُ كَانَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمُخَالَفَةَ وَعُمُومَ صِيغَةِ لَا فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنْ يَلْزَمَ بِتَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ إذَا تَكَرَّرَتْ مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ كَمَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ فِي النَّهْيِ لَكِنَّ الْأَصْلَ.

قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَلْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ إذَا خَالَفَ مَرَّةً وَفَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ حَصَلَ لَهُ الْإِثْمُ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ تَكَرَّرَ الْإِثْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت لَحْمًا فَخَالَفَ يَمِينَهُ وَأَكَلَ اللَّحْمَ مُتَكَرِّرًا فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ أَكْلِ اللَّحْمِ وَمُخَالَفَةُ يَمِينِهِ حِينَئِذٍ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيَانُ سِرِّهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ صِيغَةَ الْيَمِينِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ السَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبِهَا بَلْ الْكَفَّارَةُ مَا وَجَبَتْ إلَّا لِمُخَالَفَةِ هَذِهِ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ.

وَمُخَالَفَتُهَا عِبَارَةٌ عَنْ نَقِيضِهَا وَنَقِيضُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ فَهَذِهِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبُهَا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحِنْثِ هَلْ هُوَ شَرْطُ الْكَفَّارَةِ أَوْ سَبَبُهَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا هُوَ نَقِيضُ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ لَا ذَلِكَ السَّلْبُ الْكُلِّيُّ إنَّ الشَّارِعَ قَالَ {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ لَا لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>