وَمَيَّزَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ لِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ
(الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ)
وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ فِيهِمَا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ كَمَا تَقَدَّمَ هُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا وَإِنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنُطَلِّقُ بِالْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ وَغَيْرَ مَشْعُورٍ بِهِ وَكَذَلِكَ بِالْإِضْرَارِ وَنُوَرِّثُ بِالْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْوَارِثُ وَلَا هُوَ مِنْ مَقْدُورِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ حَكَمْت بِهَذَا بِخِلَافِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهِ وَالْعِلْمُ بِهِ وَالطَّلَاقُ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ الْجَمِيعُ فِي حَقِّهِ كَمَا انْعَقَدَ الْإِتْلَافُ سَبَبَ الضَّمَانِ وَالْبَيْعُ بِسَبَبِ الْعَقْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي أَنَّ الصِّبْيَانَ تَنْعَقِدُ أَنْكِحَتُهُمْ دُونَ طَلَاقِهِمْ أَنَّ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ سَبَبُ إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْخِطَابِ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُمَا تَكْلِيفٌ وَمَشَقَّةٌ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ الْمَحْمُولِ عَنْ الصِّبْيَانِ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَالطَّلَاقُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِإِسْقَاطِ الْعِصْمَةِ فِي الزَّوْجَةِ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ مَعَ اشْتِرَاكِ السَّبَبَيْنِ فِي أَنَّهُمَا خِطَابُ وَضْعٍ وَانْضَافَ إلَى أَحَدِهِمَا تَكْلِيفٌ فَلَا جَرَمَ انْتَفَى انْعِقَادُهُ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ قُلْت الْإِتْلَافُ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْوُجُوبُ تَكْلِيفٌ.
وَقَدْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ لِلْبُلُوغِ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ وَخُوطِبَ حِينَئِذٍ فَقَدْ تَأَخَّرَ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ فَلِمَ لَا يَنْعَقِدُ الطَّلَاقُ فِي حَقِّهِ وَيَتَأَخَّرُ التَّحْرِيمُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ عِنْدَ حُصُولِ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ كَمَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ وَكِلَاهُمَا سَبَبٌ وَضْعِيٌّ يَقْتَضِي التَّكْلِيفَ قُلْت الْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَتَأَخُّرُهَا عَنْهَا خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالْإِتْلَافُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ تَأْخِيرُ مُسَبَّبِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَارَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ)
قُلْت فِيمَا فَرَّقَ بِهِ هُنَا نَظَرٌ وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَهُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ وَالثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ فَصَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت لَحْمًا مَثَلًا أُمُورًا ثَلَاثَةً السَّلْبُ الْعَامُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لَهُ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبُ الْعَامُّ.
وَالْكَفَّارَةُ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقَ الْمُلَابَسَةِ لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ وَحِينَئِذٍ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ وَمُلَابَسَةِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ مُخَالَفَةَ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ لَا هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَيَصِيرُ مَعْنَى وَضْعِ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت نَقِيضَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَتَى بِنَقِيضِ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فِي يَمِينِهِ وَحَنِثَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ عُمُومٌ يُفْهَمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَلَاقٌ فِي كَوْنِهِ مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِضَرُورَةِ لُزُومِ تَحْصِيلِ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي التَّحْصِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ التَّعَالِيقِ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَفَّارَةُ الْمُفْسِدِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ إنْ عَادَ فَأَكَلَ أَوْ جَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي مَعْنَى السَّلْبِ الْعَامِّ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى نَقِيضِ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَإِذَا حَصَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا عَادَ فَتَكَرَّرَ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا كَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ الثُّبُوتَ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ وَالْمُطْلَقُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِصُورَةِ إجْمَاعًا كَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا كَفَّارَةُ الْمُظَاهِرِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُقْتَضَى هَذَا التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ الدَّائِمُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ تَحْرِيمِ الْأُمِّ الْمُشَبَّهِ بِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الزَّوْجَةُ مُحَرَّمَةً دَائِمًا تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ فَإِنْ عَادَ وَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ عَلَى وَطْئِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَوْدِ مَا هُوَ فَقَدْ أَتَى بِنَقِيضِ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لَهُ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عِنْدَهُ كَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِذَا كَفَرَ ثُمَّ عَادَ فَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ وَطْئِهَا مَرَّةً أُخْرَى