للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ لِإِمْكَانِ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ الْإِتْلَافِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ مِمَّنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ عَنْهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أُخِّرَ مُسَبَّبُهُ عَنْهُ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ الْأَمَدَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ إلَى حِينِ الْبُلُوغِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا الْفَرْقِ أَيْضًا انْعَقَدَ سَبَبُ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ سَبَبُ إبَاحَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْإِرْثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ جَمِيعِهَا تَتَرَتَّبُ آثَارُهَا فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالتَّأْخِيرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إنَّمَا وَقَعَ عَارِضًا بِسَبَبِ الْعِزِّ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ وَهُوَ الْغَالِبُ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ وَانْعَقَدَ سَبَبًا مُطْلَقًا

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَلُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَهُمْ أَخُو الْأُمِّ وَعَمُّ الْأُمِّ وَجَدُّ الْأُمِّ وَبَنُو الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يُدْلِي بِأُنْثَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُمْ يَلُونَ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ وَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْجُدُودُ وَالْعُمُومَةُ وَالْإِخْوَةُ الشَّقَائِقُ وَإِخْوَةُ الْأَبِ)

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْقَيْنِ أَنَّ الْوَلَاءَ شُرِعَ لِحِفْظِ النَّسَبِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا مَنْ يَكُونُ لَهُ نَسَبٌ حَتَّى تَحْصُلَ الْحِكْمَةُ لِمُحَافَظَتِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي نَظَرِهِ فِي تَحْصِيلِ الْإِكْفَاءِ وَدَرْءِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الِابْنِ فَقَالَ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ

(أَحَدُهَا) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أُنْكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَالِابْنُ لَا يُسَمَّى مَوْلًى

(وَثَانِيهَا) أَنَّهُ يُدْلِي بِهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا كَتَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَلَمَّا أَدْلَى بِهَا صَارَ فِي مَعْنَاهَا

(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ شَخْصٌ لَا تَصِحُّ مِنْ أَبِيهِ الْوِلَايَةُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَابْنِ الْخَالِ مَعَ الْخَالِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ «بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» وَهُوَ وَلِيُّهَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ الْقُرْبِ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَابْنُهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ هَذَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نَقُولُ الْمَوْلَى لَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْهَا النَّاصِرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: ٤] أَيْ نَاصِرُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: ١١] أَيْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ وَهُوَ كَثِيرٌ وَالِابْنُ نَاصِرُ أُمِّهِ فَيَكُونُ هُوَ مَوْلَاهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِقُوَّةِ عَقْلِهِ النَّاشِئِ عَنْ الذُّكُورِيَّةِ وَضَعْفِ عَقْلِهَا النَّاشِئِ عَنْ الْأُنُوثَةِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ عَارُهَا بِخِلَافِ أَبِيهِ وَابْنِ الْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْخَالِ بَعِيدٌ عَنْهَا لَا تَنْكِيهِ فَضِيحَتُهَا كَمَا تَنْكِي ابْنَهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُقَدَّمًا عَلَى جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْؤُهَا أَمَسُّ بِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا وَلِذَلِكَ قُدِّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَيْقَظُ وَأَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِوُجُوهِ الْحِجَاجِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْعَوْدِ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ الْمُنَاقِضِ لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ لَا عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا مُخَالَفَةُ النَّهْيِ فَتَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْإِثْمِ وَالتَّعْزِيرِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِثْمَ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَفْسَدَةِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ النَّوَاهِيَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ فَكُلُّ فَرْدٍ يُكَرَّرُ تُكَرَّرُ الْمَفْسَدَةُ مَعَهُ فَيَتَكَرَّرُ الْإِثْمُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمُطْلَقِ الْمَفْسَدَةِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَعَمَّ الْإِثْمَ أَيْضًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِحَسْمِ مَادَّةِ الْمَفْسَدَةِ إذْ لَوْ أَثَّمْنَاهُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَبَحْنَا لَهُ مَا بَعْدَهَا أَدَّى ذَلِكَ لِوُقُوعِ مَفَاسِدَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْإِثْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمَفَاسِدِ

(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ كَانَتْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ لِلْيَمِينِ لَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ لِلْمُخَالَفَاتِ فِيهَا وَتَكَرُّرِهَا فَتَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَفَّارَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا إلَّا بِفِعْلِهَا وَذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ وَأَمَّا الْأَثَامُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ

(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْيَمِينَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَالْحِنْثُ أَيْضًا مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت وَفَعَلْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْدِمُ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ مُبَاحَيْنِ نَاسَبَ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ فِي إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ بِخِلَافِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمُقْدِمُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ أَيْ النَّهْيِ عَاصٍ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِتَكَرُّرِ الْآثَامِ وَتَظَافُرِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ وَالتَّعَاذِيرِ عَلَيْهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْمَعْصِيَةِ

(وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْقَسَمَ وَقَعَ عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ فَإِنَّ لَا أَفْعَلُ خَبَرٌ عَنْ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ صَدَقَ فِيهِ وَحَقَّقَ السَّلْبَ الْعَامَّ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فَلَا كَفَّارَةَ.

وَإِنْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ تَكْذِيبًا لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ نَقِيضَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَرْبَابُ الْمَعْقُولِ إنَّ نَقِيضَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ الْمُوجَبَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>