وَسِيَاسَةِ الْخُصُومِ وَأَضْبَطُ لِلْفِقْهِ وَيُقَدَّمُ فِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَايِدِ الْحُرُوبِ وَسِيَاسَةِ الْجُنْدِ وَالْجُيُوشِ.
وَيُقَدَّمُ فِي الْفُتْيَا مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَضْبَطُ لِمَنْقُولَاتِ الْفِقْهِ وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَأَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَالْكُلَفِ وَالْجِدَالِ فِي الْخِصَامِ لِيُنَاضِلَ عَنْ الْأَيْتَامِ وَيُقَدَّمُ فِي سِعَايَةِ الزَّكَاةِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنُصُبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَقْوَى خَرْصًا لِلثِّمَارِ وَرُبَّمَا كَانَ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي بَابٍ آخَرَ كَمَا قُدِّمَ الرِّجَالُ فِي الْحُرُوبِ وَالْإِمَامَةِ وَأُخِّرُوا فِي الْحَضَانَةِ وَقُدِّمَ النِّسَاءِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَزِيدِ شَفَقَتِهِنَّ وَصَبْرِهِنَّ عَلَى الْأَطْفَالِ فَكُنَّ لِذَلِكَ أَكْمَلَ فِي الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَإِنَّ مَزِيدَ إنْفَاقِهِمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْأَطْفَالِ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قُدِّمَ الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ وَيُقَدَّمُ كُلُّ وَلِيٍّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانَتْ صِفَتُهُ أَقْرَبَ وَحَالُهُ عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقَدَّمُ لِذَلِكَ.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَجْدَادِ فِي الْمَوَارِيثِ يُسَوُّونَ بِالْإِخْوَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ تُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ عَلَيْهِمْ)
وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ وَالْمَوَارِيثِ أَنَّ الْجَدَّ فِي بَابِ الْمَوَارِيثِ يَقُولُ أَنَا أَبُو أَبِيهِ وَالْأَخُ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ فَيَقُولُ أَنَا ابْنُ أَبِيهِ وَالْبُنُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّة فَحَجَبَ الِابْنَ الْأَبُ عَنْ جُمْلَةِ الْمَالِ إلَى سُدُسِهِ فَهَذِهِ الْعُمْدَةُ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا وَيَفْتَرِقُ الْمِيرَاثُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ بِأَنَّ الْجَدَّ تَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ بِهِ وَلَا نُقَدِّرُ الْإِخْوَةَ الْأَشِقَّاءَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَيَرِثُ مَعَ الِابْنِ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَلَمَّا عَارَضَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ حُجَّةُ الْإِخْوَةِ بِالْبُنُوَّةِ سَوَّى بِالْإِخْوَةِ فِي بَابِ مِيرَاثِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّعَارُضُ وَهَذَا التَّعَارُضُ مَنْفِيٌّ فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَتَّى يَقُولَ الْجَدُّ لِلْإِخْوَةِ أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنْ دَفْعِ هَؤُلَاءِ وَأَنَا لَا أَعْجَزُ عَنْ دَفْعِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَارِضَهُمْ بِذَلِكَ بَقِيَتْ حُجَّتُهُمْ بِالْبُنُوَّةِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُبُوَّةِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَقُدِّمُوا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مِيرَاثِ النَّسَبِ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ)
أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كَانَ النَّافِذُ مِنْ الْبَيْعَيْنِ هُوَ الْأَوَّلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَقَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا)
قُلْت هَذَا الْفَرْقُ عِنْدِي فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ السِّلْعَةَ إذَا هَلَكَتْ كَانَ هَلَاكُهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْجُزْئِيَّةُ وَبِهِمَا يَقَعُ التَّكَاذُبُ لِمَنْ يَقْصِدُ تَكْذِيبَ مَنْ ادَّعَى الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ نَقِيضَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةَ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ عِنْدَنَا نَقِيضَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْخَبَرَ إنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ فَصِدْقٌ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ فَكَذِبٌ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ لِمُخَالَفَةِ الصِّدْقِ وَهُوَ الْكَذِبُ أَيْ الْخَبَرُ الْمُنَاقِضُ لِلصِّدْقِ الْمَانِعِ مَعَ تَحَقُّقِهِ وَمَتَى ارْتَفَعَ الصِّدْقُ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ مَفْسَدَةُ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَعَذُّرُ الصِّدْقِ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَمْ تَتَكَرَّرْ الْكَفَّارَةُ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْحَالِفَ لَوْ جَعَلَ يَمِينَهُ خَبَرًا عَنْ مُوجَبَةٍ كُلِّيَّةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ فَأَفْطَرَ يَوْمًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَبَ خَبَرُهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الدَّهْرِ وَتَضِيعُ بَقِيَّةِ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِطْرُ فِي يَوْمَيْنِ مَثَلًا أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَى فِطْرِ يَوْمٍ وَاحِدِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فِي جِهَةِ الثُّبُوتِ وَهُوَ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّفْيِ فَيَتَحَقَّقُ الْكَذِبُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ الثُّبُوتِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَنْفَعُهُ بَقِيَّةُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَاحِدٍ تَقَعُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَبَيْنَ ثُبُوتَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ كَمَا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ بَيْنَ سَلْبَيْنِ فَأَكْثَرَ تَسْوِيَةً بَيْنَ طَرَفَيْ الثُّبُوتِ وَالسَّلْبِ فِي الْخَبَرِ عَنْهَا وَإِثْبَاتِ نَقِيضِهَا، وَالِاكْتِفَاءُ بِفَرْدٍ فِي الْمُنَاقَضَةِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ثَانٍ وَيَكُونُ الثَّانِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَأَمَّا النَّهْي فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ اجْتَنَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَى الْمِائَةِ.
ثُمَّ إنْ خَالَفَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِعَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا بِالْفِعْلِ وَالثُّبُوتِ وَتَتَكَرَّرُ الْمَثُوبَاتُ بِتَكَرُّرِ الِاجْتِنَابِ أَوْ الْعُقُوبَاتِ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ فَدَلَّ ذَاكَ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ اجْتِنَابُ مَفْسَدَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ فِي التَّرْكِ لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ وَيُؤَكِّدُ الْأَمْرَ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّكْرَارِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِائَةَ مَرَّةٍ أُثِيبَ مِائَةَ مَثُوبَةٍ وَإِنْ تَرَكَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ اسْتَحَقَّ مِائَةَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حُصُولُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ حَقَّقَ