للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الْأَيْمَانِ) اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ هَذِهِ قَاعِدَتُهُ فِي الْأَقَارِيرِ وَقَاعِدَتُهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ أَنَّ الْجَمِيعَ إثْبَاتٌ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَنَا وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا كَتَّانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَدَ عُرْيَانًا فَالْكَتَّانُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ فَيَكُونُ إثْبَاتًا فَيَكُونُ كَلَامُهُ جُمْلَتَيْنِ جُمْلَةٌ سَلْبِيَّةٌ وَجُمْلَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَبْلَهُ وَقَدْ دَخَلَ الْقَسَمُ عَلَيْهِمَا فَيَحْنَثُ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا نُحْنِثُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثُّبُوتِيَّةِ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ غَيْرَ الْكَتَّانِ وَلْيَلْبَسْ الْكَتَّانَ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ اللُّغَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَالشَّافِعِيَّةُ مَشَوْا عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَحَنَّثُوهُ، وَوَافَقُونَا فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَمْ يُحْنِثُوهُ لَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ أَنَّ إلَّا تُسْتَعْمَلُ لِلْإِخْرَاجِ وَتُسْتَعْمَلُ صِفَةً وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيْرُ اللَّهِ لَفَسَدَتَا وَلَوْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ بِهِ لَنَصَبَ فَقَالَ إلَّا اللَّهَ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُوجِبٍ وَهِيَ فِي الْعُرْفِ قَدْ جَعَلُوهَا فِي الْأَيْمَانِ بِمَعْنَى غَيْرٍ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى لُبْسِ الْكَتَّانِ بَلْ يُفْهَمُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا غَيْرَ الْكَتَّانِ وَأَنَّ غَيْرَ الْكَتَّانِ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَمَّا الْكَتَّانُ فَلَا يَفْهَمُ أَهْلُ الْعُرْفِ ذَلِكَ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الْكَتَّانُ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَمْ يَنْقُلُوهَا لِمَعْنَى غَيْرِ وَسِوَى وَلَكِنَّ الْقَسَمَ يَحْتَاجُ فِي جَوَابِهِ إلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ جَوَابَهُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ هُنَالِكَ كَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ إلَّا وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْقَسَمُ كَانَ لُبْسُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ إذَا جَلَسَ عُرْيَانًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْجُمْلَتَيْنِ لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عِنْدَنَا مِنْ إثْبَاتٍ فَيَكُونُ نَفْيًا بَيَانُ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّيَابِ مَحْلُوفٌ عَلَيْهَا إلَّا الْكَتَّانَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ إلَّا الْكَتَّانَ فَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتِيٌّ وَإِذَا كَانَ الْكَتَّانُ غَيْرَ مُقْسَمٍ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ هِيَ الْفُرُوقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَيْمَانِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) حَكَى صَاحِبُ الْقَبَسِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ جَلَسَ رَجُلَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَلْعَبَانِ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَعَارَضَا فِي الْكَلَامِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا لَعِبَ مَعَ صَاحِبِهِ غَيْرَ هَذَا الدُّسَتِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَنَقَضَ الرُّقْعَةَ وَخَلَطَهَا وَجَهِلَ تَرْتِيبَهَا كَيْفَ كَانَ وَامْتَنَعَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الِاعْتِبَارِ.

وَرَابِعُهَا: مُطْلَقُ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا سَبَبَ لِلْوُجُوبِ بَلْ سَبَبُهُ فِي الضَّحَايَا أَيَّامُ النَّحْرِ وَفِي الْهَدَايَا التَّمَتُّعُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْهَدْيِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْبَدَنَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الْوُجُوبِ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ بَدَنَةٍ دُونَ أُخْرَى بَلْ الْمَطْلُوبُ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الْبَدَنَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبَدَنِ فَأَيُّهَا فَعَلَ سَدَّ الْمَسَدَّ وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْخُصُوصِ مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّوْبِ وَالْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ.

وَخَامِسُهَا: مُطْلَقُ الرِّقَابِ فِي الْعِتْقِ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا أَسْبَابٌ لِلْوُجُوبِ بَلْ السَّبَبُ الظِّهَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ إفْسَادُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَمْدًا أَوْ الْقَتْلُ وَلَا مَدْخَلَ لِتَعَيُّنِ الرَّقَبَةِ فِي الْوُجُوبِ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ رَقَبَةٍ دُونَ أُخْرَى مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ بَلْ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الرَّقَبَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَأَيَّ رَقَبَةٍ عَتَقَهَا سَدَّتْ الْمَسَدَّ كَمَا عَلِمْت.

[الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ]

الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْخِطَابِ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِطَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَيْ بِمُطْلَقِ طَائِفَةٍ صَالِحَةٍ لِإِيقَاعِ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَأَيُّ طَائِفَةٍ مِنْ الطَّوَائِفِ الصَّالِحَةِ لِإِيقَاعِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا هِيَ الْمُكَلَّفَةُ وَالْمُكَلَّفُ يَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِهِ وَلَا فِيهِ فَإِذَا فَعَلَتْ سَدَّتْ الْمَسَدَّ كَالثَّوْبِ فِي السُّتْرَةِ وَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ وَسَقَطَ بِفِعْلِهَا الطَّلَبُ عَنْ بَقِيَّةِ الطَّوَائِفِ لِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا لِتَعْطِيلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا عَنْ الْفِعْلِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ تَعَيَّنَ الْفِعْلُ عَلَيْهِ عَيْنًا لِانْحِصَارِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ كَآخِرِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَذُّرِ غَيْرِ الثَّوْبِ الْمَوْجُودِ فِي السُّتْرَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ.

[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ]

ُ لَهُ أَمْثِلَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهَا: الشَّرْطُ كَدَوَرَانِ مُطْلَقِ الْحَوْلِ تَجِبُ عِنْدَهُ الزَّكَاةُ بِسَبَبِهَا الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ فَأَثَرُ السَّبَبِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ دَوَرَانِ مُطْلَقِ الْحَوْلِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي النِّصَابِ فَمُطْلَقُ الْحَوْلِ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لِمَقْصُودِ الشَّرْعِ وَلَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِ الْحَوْلِ الْمُعَيَّنِ فِي حُصُولِ مَقْصُودِ الشَّرْعِ كَمَا أَنَّ مُطْلَقَ نِصَابٍ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ النُّصُبِ هُوَ الْوَاجِبُ بِهِ لَا خُصُوصُ النِّصَابِ الْمُعَيَّنِ.

وَثَانِيهَا: عَدَمُ الْمَانِعِ كَعَدَمِ مُطْلَقِ الدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَعَدَمِ مُطْلَقِ الْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ فَتَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>