وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ كَمَا، قُلْته فِي الْمِلْكِ إنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ وَإِبَاحَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي ذَلِكَ.
قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَأَجْزِمُ بِهِ أَنَّ الذِّمَّةَ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ دُونَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالتَّقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ وَالذِّمَّةُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَحَلِّ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنَّمَا هُوَ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ يُقَدِّرُهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عِنْدَ سَبَبِهَا مَوْجُودَةً وَهِيَ لَا وُجُودَ لَهَا، بَلْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّقْدِيرِ فَقَطْ كَمَا يُقَدَّرُ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِدُونِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَالثَّانِي التَّقْيِيدُ فِي قَوْلِهِ عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِدُونِ اسْتِنَابَتِهِ فَتَأَمَّلْ، وَقَالَ عَقِبَ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فَالشَّيْءُ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَلَا يَكُونُ مَرْفُوقًا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مَرْفُوقًا إلَّا وَيَكُونُ مَمْلُوكًا اهـ يُرِيدُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمَرْفُوقِ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ الْحَدُّ وَالْمِلْكُ فِي إصْلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلشَّيْءِ بِسَبَبِ مَا يُحِيطُ بِهِ وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ كَالتَّعْمِيمِ وَالتَّقَمُّصِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَالَةٌ لِشَيْءٍ بِسَبَبِ إحَاطَةِ الْعِمَامَةِ بِرَأْسِهِ وَالْقَمِيصِ بِبَدَنِهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ]
الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ)
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ إبْطَالِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ بِخِلَافِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا، وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ.
وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ حُصُولِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجَدَ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ حُكْمًا إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَرْقٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي الدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ نَعَمْ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ
أَوَّلًا إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبَّبُهُ إنْشَاءً نَحْوَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ اسْتِلْزَامًا كَالْعِتْقِ أَوْ الْوَطْءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ عِتْقِهِ أَوْ وَطْئِهِ الْأَمَةَ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرُ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِنَحْوِ قَوْلِهِ قَبِلْت أَوْ اخْتَرْت الْإِمْضَاءَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ مُطَابَقَةً أَوْ يُعْتِقُ أَوْ يَطَأُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ الْتِزَامًا وَفِي كَوْنِ الْمِلْكِ فِي هَذَا يُقَدَّرُ ثُبُوتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَثْبُتُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ خِلَافٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ دُخُولُ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ لَا إنْشَاءُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُصُولِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَلَى الثَّانِي نَفْسَ إنْشَاءِ الصِّيغَةِ لَا دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُضَادُّ الْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ فَعَلَيْك بِتَأَمُّلِ الْمُنَصَّفِ
وَثَانِيًا إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَكَالطَّلَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَكَالْعَتَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْمِلْكِ الْمُتَرَتِّبِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعِلَلُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَنْقَسِمُ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ]
الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ)
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ وُقُوعِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَمْثِيلُهُ بِمِثَالَيْنِ
(الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) إتْلَافُ الْمَبِيعِ قَبْلَ