للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي هُوَ وَضْعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وُضِعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) قُلْت إذَا صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَدُّ الذِّمَّةِ أَوْ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُمَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَلِكَ الْمِلْكُ عِنْدِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ سَلْبِيَّةٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّرَ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ إنْ كَانَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالِانْتِفَاعُ مُتَعَلِّقُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ

(وَثَالِثُهَا) إنَّ فِي قَوْلِهِ مُقَدَّرٌ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ إلَخْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ وَهِيَ مَا عَدَا الْجَوْهَرَ وَالْكَمَّ وَالْكَيْفَ مِنْ الْمَقُولَاتِ الْعَشَرِ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ نَظَرًا يُرِيدُ أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ مَسَائِلَ التَّعَارِيفِ اصْطِلَاحٌ لِلْفَلَاسِفَةِ لَا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْوَاجِبُ بِنَاؤُهَا عَلَى قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ الْمَذْكُورَةَ أَعْرَاضٌ مَوْجُودَةٌ فَافْهَمْ

(وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ

(وَخَامِسُهَا) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا

(وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَمَعْرِفَةُ الْمُشْتَقِّ فَرْعُ مَعْرِفَةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ وَهُوَ الْمَصْدَرُ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَيْ تَوَقُّفُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ تَعْرِيفِهِ وَبِالْعَكْسِ لِمَا ذُكِرَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ الذَّاتُ فَافْهَمْ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ فِي الْفَلَاةِ وَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَكُلِّ مَا فِيهِ الْإِذْنُ بِالِانْتِفَاعِ فَقَطْ لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ.

وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالتَّنَاوُلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّنَاوُلِ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ التَّنَاوُلِ فَهُوَ سَبَبُ مِلْكِهَا إذْ الْمِلْكُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا التَّصَرُّفِ وَالسُّلْطَانُ هُوَ التَّمَكُّنُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا تَنَاوَلَ الضَّيْفَ مَثَلًا لُقْمَةً مِنْ الضِّيَافَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ فَإِنْ ابْتَلَعَهَا فَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهَا قَبْلَ الْبَلْعِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَلِعْهَا وَنَبَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَجَازَ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهَا إلَّا لِيَأْكُلَهَا، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلْهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَالِانْتِفَاعُ الْمَوْقُوفُ فِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ.

وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَلَا مِلْكَ عَلَيْهِ إلَّا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ نَعَمْ إنَّ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً مَنْ كَانَ مُقْتَضَى الْوَقْفِ سُكْنَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَوْضِعَ الْمَوْقُوفَ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوِّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَافْهَمْ فَإِنَّا حِينَئِذٍ نَزِيدُ فِي الْحَدِّ وَنَقُولُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَلَا تَغْفُلْ وَبِالْجُمْلَةِ فَمُوجِبُ الْمِلْكِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ وَالنَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ وَالِانْتِفَاعُ إمَّا مَعَ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَإِمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ اهـ وَالسَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ جَعَلَ الْمِلْكَ صِفَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ فَقَالَ فِي تَعْرِيفَاتِهِ وَالْمِلْكُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اتِّصَالٌ شَرْعِيٌّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ شَيْءٍ يَكُونُ مُطْلَقًا لِيَتَصَرَّفَهُ فِيهِ وَحَاجِزًا عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ اهـ.

وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يَكُونُ جَامِعًا إلَّا بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ النَّعِيمُ فِي قَوْلِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِالِانْتِفَاعِ أَمَّا مَعَ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَأَمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>