للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلْمَالِكِ عِنْدَنَا إمْضَاءُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ قَابِلٌ لِلِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ إنَّ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ قَدْ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ كَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمُوَلَّيَاتِ لَهُ وَتُوجَدُ فِي الْأَحْكَامِ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ، وَأَنْوَاعُ التَّصَرُّفَاتِ كَثِيرٌ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفَاتِ أَهْلِيَّةٌ وَقَبُولٌ خَاصٌّ كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا الْتِزَامٌ وَالذِّمَّةُ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ قَابِلٌ لَهُمَا فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ وَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فِي مَنَافِعِ الْعَيْنِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ فِي الْمَنْفَعَةِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ لِمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ مِنْ أَنَّ تَحْقِيقَ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاتِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَتَاتِ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَإِنْ قُيِّدَ يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِإِخْرَاجِ التَّصَرُّفِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّف الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَيْدٍ وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِإِخْرَاجِ الْإِبَاحَاتِ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا.

وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلِإِخْرَاجِ الِاخْتِصَاصَاتِ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَقُيِّدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ الْمِلْكُ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا أَنَّ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهَا وَقَطْعُ النَّظَرِ عَمَّا عُرِضَ لَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا تَقْتَضِي مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا كَانَتْ وَاجِبَةً لِغَيْرِهَا وَإِنْ عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَهَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً لِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْأَوْقَافِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ كَالْحَجْرِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُمْ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ الْمَانِعِ يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمِلْكِ وَمُنِعَ غَيْرُهَا وَالْحَقُّ أَنَّ الضِّيَافَاتِ لَيْسَتْ بِتَمْلِيكَاتٍ لَا بِالْمَضْغِ وَلَا بِالْبَلْعِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ.

بَلْ هِيَ إبَاحَاتٌ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ فَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ الضِّيَافَاتِ مَمْلُوكَةٌ لِلضُّيُوفِ وَإِنَّمَا الضَّيْفُ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ لَا سِيَّمَا بَعْدَ الْبَلْعِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ وَقَوْل الْمَالِكِيَّةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا عِبَارَةٌ رَدِيئَةٌ جِدًّا أَوْ أَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ النَّقْضِ بِهَا عَلَى الْحَدِّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ تَصْرِيحُهُمْ بِحَقِيقَةِ مِلْكِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا وَالْمِلْكُ فِي قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ بُيُوتَ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافَ وَالرُّبُط وَنَحْوَهَا يَمْلِكُ مَنْ قَامَ بِهِ شَرْطٌ وَاقِفِيهَا الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَيَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ فَتِلْكَ الْمَسَاكِنُ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ لَا إنَّهَا فِيهَا لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا اهـ. وَخُلَاصَةُ كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ حَدَّ الْأَصْلِ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ

(أَحَدُهَا) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ

(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ الْإِبَاحَةُ الَّتِي هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ كَمَا هُوَ مَعْنَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>