للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونُ مَظْلِمَةً مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ وَعَلَّلَ مَالِكٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ فَأَبْطَلَ مَا كَانَ يُفْتِي بِهِ عِنْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ مَالِكٌ وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا حَكَمَ الْإِمَامُ فِيهَا أَنَّهَا لَا تُصَلَّى إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يَنْفُذُ وَلَا يَنْقُضُهُ وَيَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّنْفِيذِ لِوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ

لَمَا اسْتَقَرَّتْ لِلْحُكَّامِ قَاعِدَةٌ

وَلَبَقِيَتْ الْخُصُومَاتُ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ دَوَامَ التَّشَاجُرِ وَالتَّنَازُعِ وَانْتِشَارِ الْفَسَادِ وَدَوَامِ الْعِنَادِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ الْحُكَّامُ وَثَانِيهِمَا وَهُوَ أَجَلُّهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْشِئَ الْحُكْمَ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَهُوَ مُنْشِئٌ لِحُكْمِ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَلْزَمُ وَالْإِبَاحَةُ فِيمَا يُبَاحُ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ الَّذِي ذَهَبَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا مُطْلَقًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِنْشَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْتِي بِأَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْحَاكِمِ وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ مَعَهُ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ يُنْشِئُ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ وَالْمُتَرْجِمُ لَا يَتَعَدَّى صُورَةَ مَا وَقَعَ فَيَنْقُلُهُ.

وَقَدْ بَسَطْت هَذَا الْمَعْنَى بِشُرُوطِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي كِتَابِ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

تَكُونُ مَظْلِمَةً مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ وَعَلَّلَ مَالِكٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ الْحُكَّامُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى التَّنْفِيذِ إنْ أَرَادَ بِهِ إبْقَاءَ الْحُكْمِ عَلَى حَالِهِ وَإِقْرَارِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ بِرَدٍّ وَلَا نَقْضٍ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحَاكِمَ الثَّانِيَ الَّذِي يُخَالِفُ رَأْيُهُ ذَلِكَ الْحُكْمَ يُنْشِئُ تَنْفِيذُهُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ مُوَافَقَةً لِرَأْيِ مَنْ قَدْ حَكَمَ بِهِ قَبْلَهُ وَنَفَّذَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَفِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَالْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ رَأْيَ الْحَاكِمِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِتَنْفِيذِهِ إقْرَارَهُ وَعَدَمَ نَقْضِهِ وَالزَّجْرَ عَنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ قَدْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ فَذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يُنَفِّذُهُ وَلَا يَنْقُضُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُقِرَّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ وَيُزْجَرَ عَنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ وَلَا يَنْقُضَهُ أَيْضًا ابْتِدَاءً بَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَثَانِيهِمَا وَهُوَ أَجَلُّهُمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْشِئَ الْحُكْمَ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

كَذَلِكَ تُسْتَعْمَلُ صِفَةً وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ وَإِلَّا لَوَجَبَ النَّصْبُ اسْتِثْنَاءً مِنْ مُوجَبٍ بَلْ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيْرُ اللَّهِ لَفَسَدَتَا وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ قَدْ جَعَلُوا إلَّا فِي الْأَيْمَانِ بِمَعْنَى غَيْرِ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا لِلْإِخْرَاجِ الْوَجْهُ الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَمْ يَنْقُلُوهَا عَنْ الْإِخْرَاجِ لِمَعْنَى غَيْرٍ وَسِوَى وَهُوَ الْوَصْفِيَّةُ لَكِنَّ الْقَسَمَ إنَّمَا يَحْتَاجُ فِي جَوَابِهِ إلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ لَا إلَى جُمْلَتَيْنِ وَلِذَا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ عَلَى أَنَّ جَوَابَهُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ هُنَالِكَ كَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ إلَّا وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْقَسَمُ كَانَ لُبْسُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ إذَا جَلَسَ عُرْيَانًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَسَمَ تَنَاوَلَ الْجُمْلَتَيْنِ لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَنَا مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتِيٌّ فَكَأَنَّهُ قَالَ احْلِفْ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ إلَّا الْكَتَّانَ وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّيَابِ أَحْلِفُ عَلَيْهَا إلَّا الْكَتَّانَ فَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَإِذَا كَانَ الْكَتَّانُ غَيْرَ مُقْسَمٍ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَعَدَمِهِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا كَتَّانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَدَ عُرْيَانًا فَإِنْ جُعِلَتْ إلَّا لِاسْتِثْنَاءِ الْكَتَّانِ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ غَيْرَ الْكَتَّانِ وَلْيَلْبَسْ الْكَتَّانَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ حَنِثَ بِقُعُودِهِ عُرْيَانًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ الْكَتَّانَ وَمَشَى عَلَى هَذَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنْ جُعِلَتْ إلَّا لِاسْتِثْنَاءِ الْكَتَّانِ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتِيٌّ لَا مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ إلَّا الْكَتَّانَ أَوْ جُعِلَتْ أَيْ إلَّا لِاسْتِثْنَاءِ الْكَتَّانِ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّ الْحَلِفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَلْ بِمَا قَبْلَهُ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ فَقَطْ أَوْ جُعِلَتْ أَيْ إلَّا بِمَعْنَى غَيْرِ عُرِفَ صِفَةً لِلثَّوْبِ لَا لِلِاسْتِثْنَاءِ أَصْلًا وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ ثَوْبٍ غَيْرِ كَتَّانٍ لَمْ يَحْنَثْ بِقُعُودِهِ عُرْيَانًا فِي الْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ تَوْضِيحُهُ وَمَشَى عَلَى هَذَا الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَلَسَ رَجُلَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَلْعَبَانِ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَعَارَضَا فِي الْكَلَامِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) حَكَى صَاحِبُ الْقَبَسِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ جَلَسَ رَجُلَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَلْعَبَانِ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَعَارَضَا فِي الْكَلَامِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا لَعِبَ مَعَ صَاحِبِهِ غَيْرَ هَذَا الدُّسَتِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَنَقَضَ الرُّقْعَةَ وَخَلَطَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>