للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذَاهِبِ وَكَذَلِكَ حَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ تَرْكٌ لِظَاهِرِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَيُجْتَنَبُ فِي هَذَا الْبَابِ حَمْلُ الْكُلِّ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَحَمْلُ الْكُلِّيَّةِ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا فَهُوَ حَمْلُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ الْخُصُوصِيَّاتِ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَخْرِيجَاتٌ بَاطِلَةٌ بَلْ التَّخْرِيجُ الصَّحِيحُ فِي فُرُوعٍ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ يُنَاسِبُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْقَاعِدَةِ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَحَقِّيَّةِ لَهَا إمَّا غَايَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَلَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ غَيْرَ غَايَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا هِيَ وَبِحَالِهَا وَهِيَ عَدَمُ الزَّوَاجِ إمَّا غَايَةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَالِهِ هُوَ فَلَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ بَلْ الْأَحَقِّيَّةُ فَقَطْ وَهِيَ تَصْدُقُ بِطَرَفَيْنِ فَأَدْنَاهُمَا الْإِثْغَارُ وَأَعْلَاهُمَا الْبُلُوغُ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَدْ وَفَيْنَا بِالْقَاعِدَةِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ.

فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ خُولِفَتْ الْغَايَةُ الْمَقُولَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِهَا هِيَ وَهِيَ عَدَمُ الزَّوَاجِ قُلْت: مُسَلَّمٌ لَكِنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ هِيَ إشَارَةٌ إلَى الْمَانِعِ وَأَنَّ زَوَاجَهَا مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَالْمَانِعُ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ لَا عَدَمُهُ فِي الْوُجُودِ وَالتَّخْرِيجُ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ مِنْ مُوجِبِ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ هَذَا اقْتِصَارٌ عَلَى جُزْءٍ لَا جُزْئِيٍّ إلَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَخْرِيجَاتٌ بَاطِلَةٌ) قُلْتُ: مَضْمُونُ قَوْلِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ فَلَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ عَلَى جُزْئِهِ وَبَيْنَ الْكُلِّيِّ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ عَلَى جُزْأَيْهِ فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُحْمَلُ لَفْظُ الْكُلِّ عَلَى جُزْئِهِ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْكُلِّيَّ يُحْمَلُ عَلَى جُزْأَيْهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ عَلَى الْجُمْلَةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ خَيْرُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ وَمَنْ حَمَلَ الْكُلِّيَّ عَلَى جُزْأَيْهِ فِي هَذَا الْمِثَالِ فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَنْ حَمَلَ الْكُلَّ عَلَى جُزْئِهِ وَإِنَّمَا حَمَلَ شِهَابَ الدَّيْنِ عَلَى تَسْوِيغِ ذَلِكَ فِي الْكُلِّيِّ دُونَ الْكُلِّ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْكُلِّيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُطْلَقُ جُزْئِيٌّ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى أَيِّ جُزْئِيٍّ كَانَ وَمَا قَالَهُ: مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُ حَمْلِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا صَحِيحٌ وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَصَّصًا.

قَالَ: (بَلْ التَّخْرِيجُ الصَّحِيحُ فِي فُرُوعٍ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ فَنَاسَبَ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْقَاعِدَةِ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتِ أَحَقُّ مَا لَمْ تَنْكِحِي» إلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَدْ وَفَّيْنَا بِالْقَاعِدَةِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا وَهِيَ حَمْلُ الْكُلِّيِّ عَلَى جُزْأَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُطْلَقِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَكُونَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مُقْتَضِيًا ذَلِكَ احْتِمَالًا لَا نَصًّا فَهُوَ الْكُفْرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالتَّجْسِيمِ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ النُّفُوذِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزِّهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادَاتِ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ فَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِيهِمْ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ وَالتَّكْفِيرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَعَدَمُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَفَّرَ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ تَكْفِيرَهُمْ يُلْزِمُ إبْطَالَ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ أَصْلُهَا وَعَنْهُمْ أُخِذَتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إرَادَةُ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ يُكْفَرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا بِقَصْدِ إمَاتَةِ شَرِيعَتِهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

وَمَا كَانَ مِنْهَا لَيْسَ مُقْتَضِيًا ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ إنَّمَا يَقْتَضِي الْجُرْأَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَعَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْكَبِيرَةُ كَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَيُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ مَسْأَلَتَانِ.

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ]

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْفَرْقُ بَيْنَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ وَبَيْنَ السُّجُودِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ تَعْظِيمًا وَتَذَلُّلًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ هُوَ أَنَّ السُّجُودَ لِلْأَصْنَامِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ بَلْ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ آلِهَةٌ وَأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى اقْتَضَى بِذَلِكَ الْجَهْلَ بِالرُّبُوبِيَّةِ بِخِلَافِهِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ وَشُرَكَاءُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ نَعَمْ لَوْ وَقَعَ مَعَ الْوَالِدِ أَوْ الْعَالَمِ أَوْ الْوَلِيِّ عَلَى وَجْهِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ إلَهٌ وَشَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَكَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا أَقْسَامٌ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُدَبِّرَةٌ لِلْعَالَمِ وَمُوجِدَةٌ لِمَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ وَرَاءَهَا وَهَذَا كُفْرٌ بِلَا خَفَاءٍ، الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا فَتَكُونُ نِسْبَتُهَا إلَى أَفْعَالِهَا كَنِسْبَةِ الْحَيَوَانِ إلَى أَفْعَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لِلْكَوَاكِبِ أَوْ لِلْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِعْلٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>