للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثُّبُوتُ وَمِنْهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَيْضًا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مُتَيَسِّرٌ أَيْضًا حَسَنٌ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا» عَامٌّ فِي الْوَالِدَاتِ وَالْمَوْلُودِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَالِدَةً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَوَلَدَهَا اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَيَعُمُّ وَعَامٌّ فِي الزَّمَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنْ لَا لِنَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ وَمِنْهُ {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه: ٧٤] فَإِنَّ ذَلِكَ يَعُمُّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ.

وَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا كُلِّيًّا يَصْدُقُ فِي رُتْبَةٍ دُنْيَا وَهِيَ الْإِثْغَارُ وَرُتْبَةٍ عُلْيَا وَهِيَ الْبُلُوغُ فَإِذَا خُرِّجَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ لِأَنَّهُ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ وَلَا يُخَالِفُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ وَأَمَّا عُمُومُ لَا فَهُوَ رَاجِعٌ إلَيْنَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَيْسَ عُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِعَدَمِ الْعُمُومِ فِي الْوَالِدَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ: مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ: الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ خَاصٍّ فَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ مُخَالَفَةٌ لِلَّفْظِ أَلْبَتَّةَ وَلَا مِنْ وَجْهٍ مُحْتَمَلٍ بِخِلَافِ الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِمَا تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ الَّتِي اُحْتِيجَ لِلِاعْتِذَارِ عَنْهَا وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (وَمِنْهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَيْضًا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا كُلِّيًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ هُوَ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا خُرِّجَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ لِأَنَّهُ حَمْلٌ لِلَّفْظِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ وَلَا يُخَالِفُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْكُلِّيِّ الْمَحْمُولِ عَلَى جُزْأَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُطْلَقِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْكُلِّيِّ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى جُزْأَيْهِ كَمَا سَبَقَ.

قَالَ: (وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ: مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ: الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ صِيغَةُ التَّنْكِيرِ دَالَّةٌ عَلَى الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ بَلْ هُوَ الْمَعْنَى الْأَخَصُّ الْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ.

قَالَ: (وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْحَقِيقَةِ خَطَأٌ وَأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ قَطُّ فَرْقًا مَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ قَالَ: تَعَالَى وَمَا رَمَيْت أَيْ حَقِيقَةً إذْ رَمَيْت أَيْ كَسْبًا {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧] أَيْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ مَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ إلَى الْكَوَاكِبِ فَذَلِكَ كُفْرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ نَسَبَهُ إلَى الْإِنْسَانِ فَفِيهِ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَأَحْوَالَهَا غَائِبَةٌ عَنْ السَّفَرِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهَا وَفَتْحِ أَبْوَابِ الْكُفْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهِ إلَخْ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًا حَقِيقِيًّا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَحْوَالِهَا وَرَبَطَ الْأَسْبَابَ بِهَا كَحَالِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِاعْتِبَارِ الرَّبْطِ الْعَادِيِّ لَا الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا الْقِسْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِارْتِبَاطِ فَإِنَّا وَجَدْنَا الْعَادَةَ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ غَالِبَةٌ كَالْأَدْوِيَةِ حَتَّى يَكُونَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَجَائِزًا بَلْ هُوَ كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ عَقَارًا مُعَيَّنًا يُبْرِئُهُ مِنْ الْحُمَّى.

وَلَمْ تَدُلَّ التَّجْرِبَةُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ فَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بِاسْتِقْرَاءِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا اسْتِقْرَاءً كَامِلًا وَاسْتِقْرَاءِ رُتَبِ الْكَبَائِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَذَلِكَ لِيُنْظَرَ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتْبَةَ التَّكْفِيرِ وَمَا دُونَهَا أَدْنَى رُتْبَةَ الْكَبَائِرِ وَيُنْظَرُ فِي رُتَبِ الْكَبَائِرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إلَى أَقَلِّهَا مَفْسَدَةً فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَفِيهِ أَنَّ كَمَالَ اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَلْزَمُنَا اسْتِقْرَاءُ أَقْوَالِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ بِفَارِقٍ يُفَرِّقُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ فَمَا الْمَانِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>