للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَدَمِ الْعَقْدِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فَإِنَّ الْعُقُودَ لِأَوْلِيَائِهَا غَالِبًا بِخِلَافِ عُقُودِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ لَا يَشْتَهِرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ قُلْت الطَّلَاقُ بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ أَيْضًا اعْتَمَدَ الْحَاكِمُ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الْعَدَمِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إيصَالِ حُقُوقِهَا إلَيْهَا قُلْت الْغَيْبَةُ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تَشْهَدُ بِعَدَمِ زَوَاجِ امْرَأَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةُ فَإِذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا وَقَعَ فِيهِ حُكْمٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ الْوَلِيَّ الْعَاقِدَ لِلْعَقْدِ الثَّانِي مَا دُوِّنَ لَهُ فِي الْعَقْدِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا تَزَوَّجَتْ هَهُنَا مَعَ قَوْلِ الزَّوْجِ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ قَوْلٌ ظَاهِرُهُ الصِّدْقُ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مُمْكِنٍ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَسَقْطِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا أُمُورٌ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا قَوْلُ الزَّوْجِ مُعَارَضٌ بِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ وَتَصَرُّفِ وَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ وَالْوَلِيُّ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لَا ظَاهِرَ يُعَارِضُهُ فَكَانَ بِالنُّفُوذِ أَوْلَى.

وَأَمَّا الْأَمَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ زَوْجَهَا مُتَهَافِتٌ عَلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِهَا غَايَةَ التَّعَلُّقِ بِسَبَبِ أَنَّهَا نَزَعَتْ عِصْمَتَهَا مِنْهُ قَهْرًا وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَا مُنِعَتْ مِنْهُ فَنَاسَبَ ذَلِكَ الرَّدَّ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لَمْ يَحْصُلْ لِلزَّوْجِ الْمَعْقُودِ لَهُ أَوَّلًا هَذَا التَّعَلُّقَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُبَاشِرْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْفَوَاتِ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الرَّافِعُ لِلنُّقُوضِ الْأَرْبَعَةِ وَإِذَا انْدَفَعَتْ النُّقُوضُ بِالْفَرْقِ صَحَّ الْمُدْرَكُ وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَقَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْحُجَّةِ مَا لَمْ أَرَهُ قَطُّ لِأَحَدٍ فَإِنَّ الْمَكَانَ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ وَالْقَلَقِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْقَوَاعِدِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لُوحِظَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ قَرُبَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَظَهَرَ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهَا لَا سِيَّمَا وَجَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِهَا فَلَا بُدَّ لِعُقُولِهِمْ الصَّافِيَةِ مِنْ قَوَاعِدَ يُلَاحِظُونَهَا وَلَعَلَّهُمْ لَاحَظُوا مَا ذَكَرْته وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيَّيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ فِي عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَطْ الْتَحَقَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ أَمْ لَا وَقَدْ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ انْعَقَدَ عَقْدُ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا قِيَاسٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا عِبْرَةَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَنْ الْيَمِينِ فَرَّطَ أَمْ لَا أَقَتَّ أَمْ لَا كَسَرِقَةِ الْحَمَامِ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ كَعَقْلِيٍّ تَشْبِيهٌ بِالْعَادِي فِي الْحِنْثِ مَعَ التَّأَخُّرِ وَقَوْلُهُ إنْ فَرَّطَ وَلَمْ يُؤَقِّتْ قَيْدٌ فِي الْمُشَبَّهِ فَإِنْ بَادَرَ وَأَقَّتَ وَلَمْ يُبَادِرْ فَلَا حِنْثَ قَالَ الْبَلِيدِي وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا إذَا حَلَفَ ضَيْفٌ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ لَا يَذْبَحُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ ذَبَحَ أَوْ لَيَفْتَضِنَّ زَوْجَتَهُ فَوَجَدَ عُذْرَتَهَا سَقَطَتْ فَلَا حِنْثَ أَيْ لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ وَتَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ عَقْلًا فَهُوَ مَانِعٌ مُتَقَدِّمٌ وَمِنْ حُسْنِ نَظْمِ عَجَّ:

إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ ... إذَا كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا

كَعَقْلِيٍّ أَوْ عَادٍ إنْ يَتَأَخَّرَ ... وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَك الْبَقَا

وَإِنْ وَقَّتَ أَوْ قَدْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ ... فَحِنْثُهُ بِالْعَادِي لَا غَيْرُ حُقِّقَا

وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا ... فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا

اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بَيْن قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذْرَهَا وَقَاعِدَة غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِمَا]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذَرَهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا)

مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلُ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى إذَا نَذَرَهُ فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِرَغِيفٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ وَقْعًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِآلَافٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ السِّتِّينَ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِعْلُ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى أَعْظَمَ قَدْرًا لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْأَدْنَى الْمَنْذُورِ مُخَالَفَةَ النَّذْرِ وَإِذَا خُولِفَ الْمَنْذُورُ حَصَلَ ارْتِكَابُ الْمَمْنُوعِ وَهُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا الْتَزَمَ لِوَجْهِهِ فَمَا وَجْهُ مُخَالَفَةِ الْفُقَهَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَفِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ حَيْثُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ آتِيَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَشْيَ إلَيْهِمَا فَلَا يَأْتِي إلَيْهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا أَوْ مَا يُلَازِمُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَسَاجِدِ صَلَّى بِمَوْضِعِهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ نَاذِرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذَا نَذَرَهُ قَالَ وَالْمَشْيُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الْقُرَبِ أَفْضَلُ وَهُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ مُقْتَضَى أَصْلِ مَالِكٍ أَنْ يَأْتِيَ الْمَكِّيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>