للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُحْرِمُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ عُمُومٌ وَلَا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى وَصْفٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ بَلْ عِلَلُ حُكْمِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ فَقَطْ فَكَانَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّرْتِيبَ عَلَى الْوَصْفِ لَقَالَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَلَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ وَلَقَالَ لَا تَقْرَبُوا الْمُحْرِمَ ولَمْ يَقُلْ لَا تَقْرَبُوهُ فَلَمَّا عَدَلَ عَنْ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ إلَى الضَّمَائِرِ الْجَامِدَةِ دَلَّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَبَقِيَتْ الِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةً وَهُوَ الْمَطْلُوبُ

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْبَتْرَاءِ وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْمُنْفَرِدَةُ قُلْنَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الْبَتْرَاءِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي لَا ذَنَبَ وَلَا عَقِبَ لَهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: ٣] أَيْ لَا عَقِبَ لَهُ فَالْبَتْرَاءُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً وَالِاحْتِمَالَانِ مُتَقَارِبَانِ فَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُنْفَرِدَةَ لَا تُجْزِي نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُنْفَرِدُ وَحْدَهُ صَحَّ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَتْبَعُهُ غَيْرُهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ ذَنَبٍ أَوْ عَقِبٍ وَنَحْنُ نَقُولُ الرَّكْعَتَانِ مُتَقَدِّمَتَانِ تَابِعَتَانِ لِلْوِتْرِ وَتَوْطِئَةٌ لَهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا الِاحْتِمَالَاتُ فِيهَا فِي نَفْسِ الدَّلِيلِ وَقَدْ تَقَارَبَتْ فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال بِهَا فَمَتَى وَقَعَتْ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَوَقَعَ فِيهَا مِثْلُ هَذَا سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَهِيَ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْإِجْمَالِ وَعَدَمِ الدَّلَالَةِ وَأَشْرَعُ الْآنَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الْعُمُومِ بِسَبَبِ عَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عُقُودًا مُرَتَّبَةً عَقْدًا بَعْدَ عَقْدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْمُؤَخَّرَاتِ لِفَسَادِ عُقُودِهِنَّ بَعْدَ أَرْبَعِ عُقُودٍ فَإِنَّ الْخَامِسَةَ وَمَا فَوْقَهَا بَاطِلٌ وَالْخِيَارُ فِي الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا وَاحِدًا جَازَ أَنْ يَخْتَارَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُنَّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ فَكَانَ ذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِالْعُمُومِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَيَجُوزُ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا وَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَاسْتَفْصَلَ غَيْلَانُ عَنْ ذَلِكَ وَحَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ اتِّحَادُ الْعَقْدِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِحَالَةِ غَيْلَانَ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَمِثْلُ هَذَا شَأْنُهُ الْبَيَانُ وَالْإِيضَاحُ فَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِلْمٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَحَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْهُ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ إجْمَالٌ وَالِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةٌ بَلْ اللَّفْظُ ظَاهِرٌ ظُهُورًا قَوِيًّا فِي الْإِذْنِ وَالتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالَاتُ الْمُسْتَوِيَةُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَعْنِي جُزْءًا مُبْهَمًا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْقَامَةِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ: صَلِّ إمَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَالْوَاجِبُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الزَّوَالِ فِي جُزْءٍ مُبْهَمٍ مِمَّا بَيْنَ طَرَفَيْ الْقَامَةِ فَأَيُّ جُزْءٍ صَلَّى فِيهِ صَادَفَ الْمُطْلَقَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَمْ يَلْزَمْ تَأْخِيرُ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبِهِ وَلَا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَضَاءً وَلَا أَنَّهُ فِي أَوَّلِهِ نَفْلٌ يَنُوبُ مَنَابَ الْفَرْضِ حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِقَاعِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي لَزِمَتْ مُخَالَفَتُهَا لِلْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ فَالْقَوْلُ بِالتَّوْسِعَةِ هُوَ الْحَقُّ وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا قَصَدَ الْمُكَلَّفُ التَّأْخِيرَ لِوَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى بَدَلٍ أَصْلًا وَبَقِيَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْسِعَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا يَأْثَمُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ فَلَا يَأْثَمُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَذِنَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ.

[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ]

(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) الْوَاجِبُ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ كَمُطْلَقِ زَوَالِ الشَّمْسِ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ مَتَى وُجِدَ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَكَمُطْلَقِ الْإِتْلَافِ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَكَمُطْلَقِ مِلْكِ النِّصَابِ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا هَذِهِ الدَّنَانِيرَ أَوْ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَوْ قُدِّرَ نِصَابٌ مَكَانَ نِصَابٍ فِي مِلْكِ الْمُزَكِّي لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ إذْ الْمَنْصُوبُ سَبَبًا إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ النُّصُبِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبِ وُجُوبٍ يَقْتَضِي بِثُبُوتِهِ الثُّبُوتَ إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ أَيْ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِهِ وَخُصُوصَاتُ أَفْرَادِهِ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي ذَلِكَ الْوُجُوبِ فَلَوْ قُدِّرَ إتْلَافُ بَدَلَ إتْلَافٍ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ.

[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا]

(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً كَذَلِكَ تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ كَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَنَجَرْتُ بِالْقَدُومِ وَلِهَذَا الْوَاجِبُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا: مُطْلَقُ الْمَاءِ الطَّهُورِ فِي الطَّهَارَةِ وُضُوءً كَانَتْ أَوْ غُسْلًا أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الطَّهَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>