للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَرَّحَ بِهَذَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ التَّكْرَارُ بَلْ تَطْلُقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَكَانِ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهَذَا هُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَالْفُرُوقِ بَيْنَهَا وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا.

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَنَّ الْقَائِلَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ بِزَوَاجِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعُمُومِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي التَّهْذِيبِ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَإِنَّكُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ وَمَنْ دَخَلْت مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكَذَلِكَ أَيَّتُكُنَّ كَلَّمْتُهَا فَهَذِهِ الْفُرُوعُ مُشْتَرَكَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فَيَحْتَاجُ إلَى سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهَا بِاعْتِبَارِ الْقَوَاعِدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يَثْبُتُ لِأَفْرَادِ الْعُمُومِ كَثُبُوتِ الْقَتْلِ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالْحِلُّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ.

وَأَمَّا الظِّهَارُ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ لِلنُّطْقِ بِالْكَلَامِ الزُّورِ عُقُوبَةً لِقَائِلِهِ فَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ كَذَبَ كَذْبَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا نَظْهَرُ إلَى الْعُمُومِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ الْكَذِبِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ جَمَادٌ فَإِنَّهَا كَذْبَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومٍ أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ إخْوَتِك فَوَجَدَ الْجَمِيعَ فِيهَا فَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَظَرًا لِاتِّحَادِ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَأَمَّا تَكَرُّرُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلَّمَا وَقَوْلُهُ مِنْكُنَّ وَأَيَّتُكُنَّ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اُشْتُهِرَ لَفْظُ الظِّهَارِ فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ لُوحِظَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَقْصِدِ الْمُظَاهِرِ كَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَكَرُّرُهَا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا وَأَشَارَ بِمِنْ إلَى التَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيَّ الْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْكُنَّ وَأَيُّ الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ فِي كُلِّ فَرْدٍ وَأَمَّا كُلٌّ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ وَالْكُلُّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفْيَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَانَ مَعْنَاهَا الْكُلَّ فَلَوْ قُلْت: مَا قَبَضْت كُلَّ الْمَالِ لَكَانَ مَعْنَى كَلَامِك أَنَّك لَمْ تَقْبِضْ الْجَمِيعَ بَلْ بَعْضَهُ وَكَذَلِكَ مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ وَمَا كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّك نَافٍ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَيْ فَإِنَّهَا لِلْحُكْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَكَلُّفَاتٌ وَالْفِقْهُ يَقْتَضِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

يَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ بِذَلِكَ يُشْكِلُ الْفِقْهُ فِيهَا أَمَّا يَتَّضِحُ فَلَا.

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَنَظَرٍ وَمَا ذَكَرَهُ فَارِقًا بَيْنَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمُقْتَضِي كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهَا إفَادَةَ سَبَبِيَّةِ الِانْتِفَاءِ لِلِانْتِفَاءِ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ تَأْكِيدًا وَإِعَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إفَادَةً وَتَأْسِيسًا اهـ.

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ]

قُلْتُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ أَنَّ لَوْ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي غَالِبًا وَأَمَّا إنْ فَلِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ غَالِبًا فَافْهَمْ وَهُنَا وَصْلَانِ:

(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَثِيرَ فِي شَرْطِ إنْ وَجَزَائِهِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَا إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَالْقَلِيلُ تَعَلُّقُهُمَا بِمَاضٍ عَلَى مَا فِيهِ وَشَرْطُ لَوْ وَجَزَاؤُهُ بِالْعَكْسِ وَكَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالدُّعَاءِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةِ بَلْ عَدَمُ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ خَاصٌّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِهَذِهِ الثَّمَانِيَةِ فَلَا يَتَصَوَّرُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي مَاضٍ وَلَا حَاضِرٍ وَمَا أَمْرُنَا بِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ إلَّا الصَّلَاةَ الْمُشَبَّهَةَ فَإِنَّهَا الَّتِي وَرَدَتْ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْدُومَةٍ وَالْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ دُعَائِنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ مَوَاهِبُ رَبَّانِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَمَا نَطْلُبُهُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ تَخَيَّلْنَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ الْمُشَبَّهِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَفْضِيلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلِكَ لَوْ أَعْطَى لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَعْطَى الْآخَرَ مِائَةً ثُمَّ طَلَبْنَا نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ وَأَجَابَ الْمَلِكُ طَلَبَنَا لَكَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً لَمْ يَلْزَمْ عَلَى ذَلِكَ.

وَإِنْ تَخَيَّلَ أَنَّ مِائَةَ صَاحِبِ الْمِائَةِ أَعْظَمُ مِنْ مِائَةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ إخْلَالٌ مَا بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا فَسَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>