للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يُلَاحِظُ الْمَالِيَّةَ.

وَهِيَ ضَرَرٌ وَالضَّرَرُ مَنْفِيٌّ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وَوَاجِدُ الثَّمَنِ يَخْرُجُ عَلَى تَنْزِيلِ وَسِيلَتِهِ مَنْزِلَتَهُ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ الْقَادِرُ عَلَى التَّدَاوِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ وَالْمُنَاسِبَاتِ الَّتِي اُشْتُهِرَتْ فِي الشَّرْعِ اعْتِبَارُهَا وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ أَمَّا مَا لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مِنْ الْقُيُودِ الْمُوجِبَةِ لِلْمُنَاسِبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مَا يُوجِبُ اشْتِمَالَهُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ وَنَقْلِ النُّقُوضِ عَلَيْهِ وَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ أَمَّا عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ وَكَثْرَةُ النُّقُوضِ فَاعْتِبَارُ مِثْلِ هَذَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ خُصُوصًا الشَّيْخَ أَبَا الطَّاهِرِ بْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالتَّنْبِيهِ كَثِيرًا.

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ)

اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ فِي الْعِبَادَاتِ شِرْكٌ وَتَشْرِيكٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْإِثْمِ وَالْبُطْلَانِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْمُحَاسِبِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ لَهُ أَوْ تَرَكْتُهُ لِشَرِيكِي» فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسُوا مَأْمُورِينَ بِهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ لَا يُجْزَى عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَسِرُّهَا وَضَابِطُهَا أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَالْمُتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يُعَظِّمَهُ النَّاسُ أَوْ يُعَظَّمَ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَصِلَ إلَيْهِ نَفْعُهُمْ أَوْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُهُمْ فَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ أَحَدِ قِسْمَيْ الرِّيَاءِ وَالْقِسْمُ الْآخَرُ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ لَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ النَّاسَ فَقَطْ وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ رِيَاءَ الْإِخْلَاصِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ رِيَاءَ الشِّرْكِ لِأَنَّ هَذَا لَا تَشْرِيَك فِيهِ بَلْ خَالِصٌ لِلْخَلْقِ وَالْأَوَّلُ لِلْخَلْقِ وَلِلَّهِ تَعَالَى وَأَغْرَاضُ الرِّيَاءِ ثَلَاثَةٌ التَّعْظِيمُ وَجَلْبُ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَخِيرَانِ يَتَفَرَّعَانِ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا عَظُمَ انْجَلَبَتْ إلَيْهِ الْمَصَالِحُ وَانْدَفَعَتْ عَنْهُ الْمَفَاسِدُ فَهُوَ الْغَرَضُ الْكُلِّيُّ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذِهِ قَاعِدَةُ الرِّيَاءِ الْمُبْطِلَةُ لِلْأَعْمَالِ الْمُحَرَّمَةُ بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ وَلِيُحَصِّلَ الْمَالَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَاعَةً مِنْ إيمَانٍ تَعْدِلُ دَهْرًا مِنْ كُفْرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ وَعَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْقَهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْبَرَكَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَعْظِيمِهِ فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَفْضَلُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ تَابَ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ» لِأَنَّ خَلْقَهُ سَبَبُ وُجُودِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ ذُرِّيَّتِهِ كُفَّارًا فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ فَيُخْرَجُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَيَبْقَى مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ وَالْبَقِيَّةُ كُفَّارٌ فُجَّارٌ أَهْلُ النَّارِ وَالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ» إذْ لَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ تَرْبُو مَصْلَحَةُ إسْلَامِهِ عَلَى مَفْسَدَةِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَأَنَّهُمْ كَالْعَدَمِ الصِّرْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَعَقْدُ الْجِزْيَةِ لَمَّا كَانَتْ ثَمَرَتُهُ تُوقِعُ الْإِيمَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ مِنْ أَحَدِ الذَّرَارِيّ الَّذِي لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِهِ لَا مُجَرَّدُ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْهُ كَانَ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ الشَّرَائِعِ الْوَاقِعَةِ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلِذَا أَبَاحَتْهُ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِ بَعْضِ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ فِي إيرَادِهِ سُؤَالًا فِي الْجِزْيَةِ إنَّ شَأْنَ الشَّرَائِعِ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِإِيقَاعِ أَدْنَاهَا وَتَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا وَمَفْسَدَةُ الْكُفْرِ تَرْبُوا عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْجِزْيَةِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بَلْ عَلَى جُمْلَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَضْلًا عَنْ هَذَا النَّزْرِ الْيَسِيرِ فَلِمَ وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ بِذَلِكَ وَلِمَ لَمْ تُحَتِّمْ الْقَتْلَ دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ الْكُفْرِ اهـ.

وَلِمَ كَانَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى مُدَاوَمَةِ الزِّنَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ ثَمَرَتُهُ مُجَرَّدُ أَخْذِ الدَّرَاهِمِ الَّذِي هُوَ مَصْلَحَةٌ حَقِيرَةٌ لَا تُعَادِلُ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ مَنَعَتْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَفْسَدَةٌ صِرْفَةٌ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ نَقْضَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ نَقْضَهَا]

(الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ نَقْضَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>