للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالضَّرُورَةُ دَعَتْ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُقَارَنَةُ تَكْفِي فِي دَفْعِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُضَادٌّ لِلْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَبِيعُ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ يَقْتَضِيَانِ إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَالْمِلْكُ الْمُرَتَّبُ فِي الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ إلَى قَوْلِهِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ) قُلْت مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ هُوَ أَنَّ الْعِتْقَ مُضَادُّ الْمِلْكِ إنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعَبْدِ فَلِذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ حُصُولِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ هُوَ قُبَيْلَ هَذَا حَاكِيًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَصَوَّبَ هُوَ قَوْلَهُمْ فِي اللَّهِ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ.

قَالَ (وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَبِمَا سَلَفَ مِنْ الْقَوْلِ يَتَبَيَّنُ أَيُّ مَذْهَبَيْ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَعِيَّةِ أَوْ الْقَبْلِيَّةِ أَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إلَّا بِهَا وَمَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ إلَّا بِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ اهـ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا بُنِيَتْ عَلَى قَاعِدَةِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَقْدِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَهَذَا تَحْرِيرُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي سَبَقَ تَحْرِيرُهُ فِي الْفَرْقِ الْعَاشِرِ وَالْمِائَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَى الْمَيِّتِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَيْهِ)

الْقُرُبَاتُ بِاعْتِبَارِ وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْغَيْرِ اتِّفَاقًا وَعَدَمِ وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْغَيْرِ اتِّفَاقًا وَالْخِلَافُ فِي وُصُولِهِ لَهُ وَعَدَمِ وُصُولِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَجَرَ عَلَى عِبَادِهِ فِي ثَوَابِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ نَقْلَهُ لِغَيْرِهِمْ كَالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي الصَّلَاةِ الْإِجْمَاعُ نَظَرًا فِي الْخِلَافِ الَّذِي نُقِلَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ

(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي نَقْلِ ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَهُوَ الدُّعَاءُ وَالْقُرُبَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ فِيهِ حَجْرٌ أَمْ لَا كَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقِيلَ لَا يَصِلُ ثَوَابُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَذَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ يَصِلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ.

وَكَذَا حَجُّ تَطَوُّعٍ أَوْصَى بِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ فِي الصَّوْمِ عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ قَالَ كَنُونٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ وَلَعَلَّ قَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرْيَاجِلِيِّ.

وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَلَا تَجُوزُ وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي آكِلِهَا إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْقَارِئُ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ وَيُعْطِيَهُ وَلِيَّ الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْعَطِيَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ اهـ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ النَّفْعِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ مَعْرُوفِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي جَوَابٍ لِلْعَبْدِينِيِّ الْمَيِّتُ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ اهـ.

وَحُجَّةُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُصُولِ الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ لَا يَنُوبَ فِيهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] وَحَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَحُجَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُصُولِ أَوَّلًا الْقِيَاسُ عَلَى الدُّعَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَى وَصْلِهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ الَّتِي مِنْهَا حَدِيثُ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ» إلَخْ إذْ الْكُلُّ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَثَانِيًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلِّ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَصُمْ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك يَعْنِي أَبَوَيْهِ» ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَنَصُّ السُّنَّةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ الْمَفْرُوضَ يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِحَجِّ وَلِيِّهِ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمَنْذُورُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا، «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْك فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي قَالَ مَا شِئْت، قُلْت الرُّبْعَ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك. قُلْت النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك، قُلْت أَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَك قَالَ إذًا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرَ ذَنْبُك»

وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>