السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُحَصِّلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ فَبَطَلَ الشَّبَهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ يَحْصُلُ الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ) اعْلَمْ أَنَّ أَزْمِنَةَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، مَا يَتَقَدَّمُ وَمَا يَتَأَخَّرُ وَمَا يُقَارِنُ وَمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَأَمَّا مَا يُقَارِنُ فَكَالْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأْيِنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَمِنْ ذَلِكَ التَّعَالِيقُ اللُّغَوِيَّةُ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَا يَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّك تُقَدِّرُ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ إلَى آخِرِ هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ قَالَ (وَأَمَّا مَا تَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهِ فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَتُهْدِيَ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَيَّ لَا إلَى نَفْسِك وَثَالِثًا دُخُولُ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ بِعَمَلِ آبَائِهِمْ وَانْتِفَاعِ الْغُلَامَيْنِ الْيَتِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ فِي قِصَّتِهِمَا {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: ٨٢] بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا وَالنَّفْعُ بِالْجَارِ الصَّالِحِ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ كَمَا فِي الْأَثَرِ وَرَحْمَةُ جَلِيسِ أَهْلِ الذِّكْرِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَجْلِسْ لِذَلِكَ، بَلْ لِحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وقَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: ٢٥] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة: ٢٥١] فَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْعَذَابَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ بِسَبَبِ بَعْضٍ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِانْتِفَاعِهِمْ بِأَعْمَالِ غَيْرِهِمْ الصَّالِحَةِ وَأَجَابَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، وَعَنْ الْآيَةِ إمَّا بِأَنَّهَا عَامَّةٌ قَدْ خُصِّصَتْ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ إلَّا مَا عَمِلَ هُوَ فَيُثَابُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ وَيُعَافَى فِي بَدَنِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَإِلَّا بِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] مِنْ بَابِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ الْجَمْلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ، وَعَنْ حَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» إلَخْ وَنَحْوُهُ مِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ انْقَطَعَ انْتِفَاعُهُ.
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِهِ فَهُوَ لِعَامِلِهِ فَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ثَوَابُ عَمَلِ الْعَامِلِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ هُوَ فَالْمُنْقَطِعُ شَيْءٌ وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَعَمَلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَمَلًا عَمِلَهُ وَنَشَرَهُ أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَكْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَلْحَقَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ وَحَسَنَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ وَأَجَابَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الدُّعَاءِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ أَمْرَيْنِ
(أَحَدَهُمَا) مُتَعَلِّقُهُ كَالْمَغْفِرَةِ فِي قَوْلِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُرْجَى حُصُولُهُ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ إذْ لَهُ طُلِبَ لَا لِلدَّاعِي وَإِنْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَكَ يَقُولُ لَهُ وَلَك مِثْلُهُ
(وَالْأَمْرُ الثَّانِي) ثَوَابُهُ وَهُوَ لِلدَّاعِي فَقَطْ وَعَمَّا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِالِانْتِفَاعِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ الْبَدَنِيِّ مِنْ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ بِأَنَّهَا مَعَ احْتِمَالِهَا التَّأْوِيلَ مُعَارَضَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمَعْضُودَةِ بِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الِانْتِقَالِ فَتَقَدَّمَ، وَعَنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ وَرَفْعِ الْعَذَابِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ الصَّالِحِ بِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي نَحْوِ هَذَا بَرَكَةُ الْمُؤْمِنِينَ لَا ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ وَبَرَكَةُ صَلَاحِ الْأَبِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ وَبَرَكَةُ أَهْلِ الذِّكْرِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِمْ وَبَرَكَةُ الرَّسُولِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ وَهَكَذَا وَالْبَرَكَاتُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا يُنْكَرُ حُصُولُهَا لِلْغَيْرِ حَتَّى لِلْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْصُلُ بَرَكَتُهُ لِلْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَ فَرَسًا بِسَوْطٍ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسْبَقُ.
وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ وَرُوِيَ أَنَّ حِمَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْهَبُ إلَى بُيُوتِ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَنْطَحُ بِرَأْسِهِ الْبَابَ يَسْتَدْعِيهِمْ إلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَرْوِيٌّ فِي مُعْجِزَاتِهِ وَكَرَامَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّوَابُ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِدَلِيلِ الْمُبَاحَاتِ وَأَهْلِ الْفَتَرَاتِ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمَنْ تَوَجَّهَ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَمِنْ هُنَا يَتَّضِحُ