للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْتَحَقُّ ثَنَاؤُك عَلَى نَفْسِك أَمَّا ثَنَاءُ الْخَلْقِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُسْتَحَقِّ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرَهَا وَاقْضِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا تَصِلْ إلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ قِلَّةِ الْأَدَبِ فِي الْمُعَامَلَةِ دُونَ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ

(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَكُونُ كُفْرًا أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا فَإِنَّ عَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرْقُ الْعَادَةِ فَيَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا سَأَلُوا نُزُولَ الْمَائِدَةِ مِنْ السَّمَاءِ وَخُرُوجَ النَّاقَةِ مِنْ الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ أَوْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَادَةً بِذَلِكَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قِلَّةُ أَدَبٍ أَوْ لَا يَكُونَ وَلِيًّا وَيَسْأَلَ خَرْقَ الْعَادَةِ وَيَكُونَ مَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ وَلِيًّا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ خَرْقَ الْعَادَةِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ حَرَامًا، وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ:

(الْأَوَّلُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْمُسْتَحَقُّ ثَنَاؤُك عَلَى نَفْسِك أَمَّا ثَنَاءُ الْخَلْقِ فَلَا لِأَنَّهُ دُونَ الْمُسْتَحَقِّ) قُلْت إنْ كَانَ الثَّنَاءُ اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ تَعَالَى مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ اكْتِسَابِ الْبَشَرِ.

ثُمَّ قَصَّرُوا فِيهِ لَحِقَهُمْ الذَّمُّ وَالْعَيْبُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ ذَمٌّ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. قَالَ (وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرَهَا وَاقْضِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا تَصِلُ إلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ قِلَّةِ الْأَدَبِ فِي الْمُعَامَلَةِ دُونَ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ فَلَا قِيَاسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَكُون كُفْرًا أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا فَإِنَّ عَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرْقُ الْعَادَةِ فَيَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا سَأَلُوا نُزُولَ الْمَائِدَةِ مِنْ السَّمَاءِ وَخُرُوجَ النَّاقَةِ مِنْ الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ أَوْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَادَةً بِذَلِكَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قِلَّةُ أَدَبٍ أَوْ لَا يَكُونُ وَلِيًّا وَيَسْأَلُ خَرْقَ الْعَادَةِ وَيَكُونُ مَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ وَلِيًّا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ خَرْقَ الْعَادَةِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ حَرَامًا) قُلْت إجَازَةُ دُعَاءِ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ بِخَرْقِ الْعَادَةِ إجَازَةٌ لِلدُّعَاءِ بِخَرْقِ الْعَادَةِ فَكُلُّ مَا أَنْكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِذَا أَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَقَدْ أَجَازَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ مَنْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَالَ (وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَإِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ كَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْتٍ لَسَمِعَهُ الْحَاضِرُونَ وَقَالَ صَالِحٌ الْمُعْتَزِلِيّ رُؤْيَا الْمَنَامِ هِيَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ، وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ رُؤْيَةٌ بِعَيْنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَأُذُنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يَسْمَعُ بِهِمَا اهـ بِتَصَرُّفٍ

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْإِدْرَاكُ يُضَادُّهُ النَّوْمُ اتِّفَاقًا، وَالرُّؤْيَا إدْرَاكُ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تَجْتَمِعُ مَعَ النَّوْمِ وَأَجَابَ بِأَنَّ النَّفْسَ ذَاتُ جَوَاهِرَ فَإِنْ عَمَّهَا النَّوْمُ فَلَا إدْرَاكَ، وَإِنْ عَمَّهَا الْإِدْرَاكُ فَلَا مَنَامَ، وَإِنْ قَامَ عَرَضُ النَّوْمِ بِبَعْضِهَا أَمْكَنَ قِيَامُ إدْرَاكِ الْمَنَامِ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ؛ وَلِذَلِكَ إنَّ أَكْثَرَ الْمَنَامَاتِ آخِرَ اللَّيْلِ عِنْدَ خِفَّةِ النَّوْمِ اهـ

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) : قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ لَعَلَّ الْعَالِمَ الَّذِي طَبْعُهُ قَرِيبٌ مِنْ طَبْعِ الْعَوَامّ يَفْهَمُ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى حَقِيقَةً شَخْصَهُ الْمُودَعَ فِي رَوْضَةِ الْمَدِينَةِ بِأَنْ شَقَّ الْقَبْرَ وَخَرَجَ مُرْتَحِلًا إلَى مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ، وَلَا شَكَّ فِي جَهْلِ مَنْ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ يُرَى أَلْفَ مَرَّةٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي أَلْفِ مَوْضِعٍ بِأَشْخَاصٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي مَكَانَيْنِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ شَيْخٌ وَشَابٌّ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ إلَخْ وَيُرَى عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَنْ انْتَهَى حُمْقُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ فَقَدْ انْخَلَعَ عَنْ رِبْقَةِ الْعَقْلِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَاطَبَ ثُمَّ حُقِّقَ أَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالٌ صَارَ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَذَلِكَ أَنَّ جَوْهَرَ النُّبُوَّةِ أَعْنِي الرُّوحَ الْمُقَدَّسَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالصُّوَرِ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ ذَاتَهُ بِوَاسِطَةِ مِثَالٍ مَحْسُوسٍ مِنْ نُورٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِثَالًا لِلْجَمَالِ الْحَقِيقِيِّ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي لَا صُورَةَ لَهُ، وَلَا لَوْنَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثَالُ صَادِقًا حَقًّا وَوَاسِطَةً فِي التَّعْرِيفِ فَقَوْلُ الرَّائِي: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ لَا بِمَعْنَى أَنِّي رَأَيْت ذَاتَ رُوحِهِ أَوْ ذَاتَ شَخْصِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ لَا مِثْلَهُ؛ إذْ الْمِثْلُ الْمُسَاوِي فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَالْمِثَالُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُسَاوَاةِ؛ إذْ الْعَقْلُ مَعْنًى لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ مُمَاثَلَةً حَقِيقِيَّةً وَلَنَا أَنْ نَضْرِبَ الشَّمْسَ لَهُ مِثَالًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.

وَهُوَ أَنَّ الْمَحْسُوسَاتِ تَنْكَشِفُ بِنُورِ الشَّمْسِ كَمَا تَنْكَشِفُ الْمَعْقُولَاتُ بِالْعَقْلِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ كَافٍ فِي الْمِثَالِ وَيُمَثَّلُ فِي النَّوْمِ السُّلْطَانُ بِالشَّمْسِ، وَالْوَزِيرُ بِالْقَمَرِ وَالسُّلْطَانُ لَا يُمَاثِلُ الشَّمْسَ بِصُورَتِهِ وَلَا بِمَعْنَاهُ، وَلَا الْوَزِيرُ يُمَاثِلُ الْقَمَرَ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ لَهُ اسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْكُلِّ، وَيَعُمُّ أَمْرُهُ الْجَمِيعَ، وَالشَّمْسُ تُنَاسِبُهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَالْقَمَرُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْأَرْضِ فِي إفَاضَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>