للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ أَمْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً.

(قُلْت) قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ يَحْصُلُ فِي الْأَعْيَانِ وَفِي الْإِجَارَاتِ يَحْصُلُ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ الْأَعْيَانُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْأَمَانَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ قَالَ وَتَحْقِيقُ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ الْعَيْنُ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا يُتَوَهَّمُ الْتِبَاسُهُ بِهِ.

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ مُسَبِّبُ هَذَا الْقِسْمِ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ تَشْبِيهًا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) قُلْت هُوَ فَرْقٌ لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

اللَّهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْإِسْلَامَ وَنَحْوَ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَا حَقَّيْنِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ جِهَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الْإِسْلَامُ أَصْلًا لِلْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَيْهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهَا بِالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِإِسْقَاطِهَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ حَقًّا حَاصِلًا لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ فَتُقَدَّمُ مَصْلَحَتُهُ عَلَى مَصْلَحَةِ مَا اتَّحَدَ مَعَهُ فِي الْجِهَةِ لِأَصَالَتِهِ لَا عَلَى مَا خَالَفَهُ فِيهَا كَحَقِّ الْآدَمِيِّينَ إذْ الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيلِ حَقِّ غَيْرِهِمْ

(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ تُنَاسِبُ رَحْمَتُهُ الْمُسَامَحَةَ وَسُقُوطَ حُقُوقِهِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ يُنَاسِبُ التَّمَسُّكَ بِحَقِّهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي لِمَا سَتَعْرِفُهُ.

وَأَمَّا مَا لَمْ يَرْضَ الْحَرْبِيُّ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْعِبَادِ كَالْغُصُوبِ وَالنُّهُوبِ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوِهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي دَخَلَ إلَخْ فَلِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي رَضِيَ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا مِنْ الْعِبَادِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فَهَذَا يَلْزَمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ إيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فَالذِّمِّيُّ كَمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا كَالْغُصُوبِ وَالنُّهُوبِ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيُّ إنَّمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِهِ، وَأَمَّا الْغُصُوبُ وَالنُّهُوبُ وَالْغَارَاتُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ لِمَا عَلِمْت أَفَادَهُ الْأَصْلُ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إنَّهُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ]

الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ)

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ هُوَ هَذَا الْفَرْقُ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ اهـ فَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ لِتَكُونَ تَوْضِيحًا لِلْفَرْقِ السَّابِقِ وَنَخْلُصَ مِنْ وَصْمَةِ التَّكْرَارِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

الزَّكَاةُ إنْ أَخْرَجَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَعَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا تَمَسُّكًا بِقِيَاسِهَا عَلَى الدُّيُونِ وَيَأْخُذُ الْإِمَامُ لَهَا كُرْهًا وَالْإِكْرَاهُ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ فِعْلُ الْغَيْرِ فِيهَا مُطْلَقًا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الْمُجْمَعِ عَلَى صِحَّةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَعَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا فِي نَصْبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ غَيْرَ الْإِمَامِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ يَذْبَحُهَا غَيْرُ رَبِّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ إنْ كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ صَدِيقَهُ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ لِتَمَكُّنِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ هُنَا فَيُقَالُ إنَّ الزَّكَاةَ تُجْزِئُهُ إنْ كَانَ مَخْرَجُهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا مُفْتَقِرَةٌ لِلنِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا يُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>