للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا.

وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّاتُ إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجِبَ حِينَئِذٍ حُكْمًا، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْقُدْرَةُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إلَّا عَقِيبَ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً نَحْوُ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ قَالَ (وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً إلَى قَوْلِهِ وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُعْتَقِ عَنْهَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ، ثُمَّ إنَّ الْعِتْقَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَقْصِدْ إلَى

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا وَهُوَ عَدْلٌ أَجْزَأَتْ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِ الصِّدِّيقِ وَتَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: ١٠٣] فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ الَّذِي أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الْإِذْنُ وَالْإِجْزَاءُ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِمْ قَهْرًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ كُرْهًا لَكِنْ يُلْجِئُهُ إلَى دَفْعِهَا بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ وَالْإِكْرَاهُ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا فَرَّطَ فِيهِ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِهِمْ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِهَذَا فَتَرَقَّبْ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِجْزَاءُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَشْهَبَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَذِنَ فِي الْعِتْقِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِ غَيْرِهِ عَلَى جُعْلٍ جَعَلَهُ لَهُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْجُعْلُ وَلَا يُجْزِئُهُ أَيْ عَنْ ظِهَارِهِ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَيْ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ عِتْقِهِ عَنْ الظِّهَارِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجُعْلِ وَضِيعَةٌ عَنْ الثَّمَنِ جَازَ أَيْ عِتْقُهُ عَنْ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ هِبَتُهُ أَيْ هِبَةُ مَنْ يُعْتَقُ فِي الظِّهَارِ فَبَيْعُهُ أَوْلَى، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ ظِهَارِ الْغَيْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ أَبًا لِلْمُعْتَقِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ وَيُجْزِئُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحَقُّ الْإِجْزَاءُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَرْبَعِ قَوَاعِدَ

(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) قَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ وَهِيَ إمَّا إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ إذَا قَلَّا أَوْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَرَدَاءَةِ بَوَاطِنِ الْفَوَاكِهِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ، وَالْوَارِثُ الْكَافِرُ أَوْ الْعَبْدُ يُقَدَّرُ عِتْقُهُ فَلَا يُحْجَبُ، وَأَمَّا إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَتَقْدِيرِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ حَتَّى يَنْعَصِمَ الدَّمُ وَالْمَالُ وَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ فِي الْكَافِرِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ حَتَّى تَصِحَّ إبَاحَةُ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالذُّرِّيَّةِ

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْكَفَّارَاتِ عِبَادَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ

(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ بَطَلَتْ

(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) قَاعِدَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَوْ أَوْصَلَ نَفْعًا لِغَيْرِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ نَفَذَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَوْ مَالٌ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ كَالدَّيْنِ أَوْ مِمَّا لَا يَجِبُ كَغُسْلِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ وَرَمْيِ التُّرَابِ مِنْ الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي عَدَمِ التَّبَرُّعِ، لَكِنَّ شَرْطَ الْغُرْمِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ بِالِاسْتِئْجَارِ أَوْ إنْفَاقِ الْمَالِ أَمَّا إنْ كَانَ شَأْنُهُ فِعْلَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغُلَامِهِ وَتَحْصُلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بِغَيْرِ مَالٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فَمَالِكٌ يَجْعَلُ لِسَانَ الْحَالِ قَائِمًا مَقَامَ لِسَانِ الْمَقَالِ فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِلِسَانِ مَقَالِهِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَجَعَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>