[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ تَعَدُّدِهِ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةً لِلْآخِرَةِ وَمَطِيَّةً لِلسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَمَا عَدَاهُ فَمَعْزُولٌ عَنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِي الشَّرَائِعِ فَلِذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ مَا هُوَ عِمَادُ الْأَقْوَاتِ وَحَافِظُ قَانُونِ الْحَيَاةِ وَمُقِيمُ بِنْيَةِ الْأَشْبَاحِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ الْأَرْوَاحِ إلَى دَارِ الْقَرَارِ وَيُلْغَى تَفَاوُتُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ السَّرَفِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِلتَّرَفِ فَلَوْ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ اعْتِبَارِهِ وَمِنْهَا عَلَى رِفْعَةِ قَدْرِهِ وَمَنَارِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَانُونِ الْحُكْمِيِّ فَلِذَلِكَ تَسَاوَتْ الْأَلْوَانُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الْإِدَامُ وَتَسَاوَتْ الْأَخْبَازُ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الِاغْتِذَاءُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَنَى الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتِّحَادَ الْأَجْنَاسِ وَاخْتِلَافَهُمَا وَإِنْ كَثُرَتْ فُرُوعُ هَذَا الْبَابِ وَانْتَشَرَتْ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمِنْهَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى فِي الْفَرْقِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الصِّفَةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْ بَعُدَ الزَّمَانُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تُصَيِّرْهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَتْ بِنَارٍ وَتُنْقِصُ الْمِقْدَارَ بِغَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ لَمْ تُصَيِّرْ جِنْسَيْنِ كَشَيِّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفِهِ وَطَبْخِهِ مِنْ غَيْرِ مَرَقَةٍ وَمِنْهُ تَجْفِيفُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَوْ بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَتَخْفِيفِ اللَّحْمِ بِالْأَبْزَارِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ وَإِنْ كَانَتْ النَّارُ لَا تُنْقِصُ الْمِقْدَارَ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَقَلْيِ الْقَمْحِ وَالْخُبْزِ وَإِنْ كَانَتْ الصِّنَاعَةُ بِغَيْرِ نَارٍ وَطَالَ الزَّمَانُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ تَأْثِيرُهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ، وَالشَّاذُّ التَّأْثِيرُ كَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْأَغْرَاضِ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَالتَّقَارُبِ فِيهَا.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا شَرْعِيًّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَمَا لَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا) الضَّابِطُ فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي الْحُبُوبِ الْجَافَّةِ مَا اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْبُرُّ بِصِيغَةِ الْكَيْلِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الزَّكَاةِ بِالْأَوْسُقِ وَصَرَّحَ فِي النَّقْدَيْنِ بِالْوَزْنِ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْفِضَّةِ صَدَقَةٌ» وَمَا لَيْسَ فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْعَادَةُ الْعَامَّةُ هَلْ يُكَالُ أَوْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أُخِذَتْ مِنْ السَّوِيقِ اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْهُ فَانْظُرْهُ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَالْأَشْهَرُ فِي الْخُبْزِ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالتَّسَاوِي وَسَبَبُ الْخِلَافِ خِلَافُهُمْ هَلْ الصَّنْعَةُ تَنْقُلُهُ مِنْ جِنْسِ الرِّبَوِيَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ لَا تَنْقُلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ مَنْ قَالَ بِهَذَا هَلْ تُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ حِينَئِذٍ فِيهِ أَوْ لَا تُمْكِنُ فَكَانَ مَالِكٌ يُجِيزُ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ بِالتَّقْدِيرِ وَالْحِرْزِ فَضْلًا عَنْ الْوَزْنِ أَيْ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الرِّبَوِيَّيْنِ لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ وَالْآخَرُ قَدْ دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى فِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّ الصَّنْعَةَ تَنْقُلُهُ مِنْ الْجِنْسِ أَعْنِي مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيُجِيزُ فِيهَا التَّفَاضُلَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَرَى ذَلِكَ وَتَفْصِيلُ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ عَسِيرُ الِانْفِصَالِ فَاللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ وَالْمَطْبُوخُ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْحِنْطَةُ الْمَقْلُوَّةُ عِنْدَهُ وَغَيْرُ الْمَقْلُوَّةِ جِنْسَانِ، وَقَدْ رَامَ أَصْحَابُهُ التَّفْصِيلَ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ عَنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ قَانُونٌ مِنْ قَوْلٍ حَتَّى يَنْحَصِرَ فِيهِ قَوْلُهُ فِيهَا، وَقَدْ رَامَ حَصْرَهَا الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَعْسُرُ حَصْرُ الْمَنَافِعِ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ الِاتِّفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّعَامُلُ وَتَمْيِيزُهَا مِنْ الَّتِي لَا تُوجِبُ ذَلِكَ أَعْنِي فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنَّبَاتِ وَسَبَبِ الْعُسْرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءَ مُتَشَابِهَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَانُونٌ يَعْمَلُ عَلَيْهِ فِي تَمْيِيزِهَا إلَّا مَا يُعْطِيهِ بَادِي النَّظَرِ فِي الْحَالِ جَاوَبَ فِيهَا بِجَوَابَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا جَاءَ مَنْ بَعْدَهُ أَحَدٌ فَرَامَ أَنْ يُجْرِيَ تِلْكَ الْأَجْوِبَةَ عَلَى قَانُونٍ وَاحِدٍ وَأَصْلٍ وَاحِدٍ عَسُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمْ اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْ الْبِدَايَةِ بِزِيَادَةٍ.
وَاَلَّذِي رَامَهُ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى مَنْ حَصَرَهَا هُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ الْأَصْلُ فِي تَبْيِينِ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا مَعْنَى الْجِنْسِ أَنَّ مَعْنَى الْجِنْسِ عِنْدَنَا فِي الْبَابِ أَيْ بَابِ الْبَيْعِ مَا انْفَرَدَ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّيْئَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ سُمِّيَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا اتَّفَقَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَافْتَرَقَا فِي الِاسْمِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَنْ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُمَا أَيْ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ جِنْسَانِ الِاعْتِبَارُ أَيْضًا بِالْأَسْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ إنَّنَا إنَّمَا مَنَعْنَا التَّفَاضُلَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ وَأَجَزْنَاهُ فِي الْجِنْسَيْنِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تُرَاعَى الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ فِي السَّلَفِ فَإِنَّمَا يَطْلُبُهَا مَعَ اسْتِرْجَاعِ مَا سَلَفَ وَبَقَاءِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute