للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي التَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا ابْتِدَاءً وَرَمَادًا انْتِهَاءً، وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ.

(تَنْبِيهٌ)

الْقِيَاسُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ قِيَاسُ شَبَهٍ أَوْ قِيَاسُ عِلَّةٍ فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا كَالْإِسْكَارِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ فَإِنَّ فَسَادَ الْعَقْلِ مُنَاسِبٌ لِلتَّحْرِيمِ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ وَقِيَاسِ الشَّبَهِ أَمَّا فِي شَبَهِ الْحُكْمِ كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ، وَالطَّهَارَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أَوْ الشَّبَهُ فِي الصُّورَةِ كَقِيَاسِ الْخَلِّ عَلَى الدُّهْنِ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ اتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَادَةً وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا فَإِنَّ ضَابِطَ الْمُنَاسِبِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ كَتَرْتِيبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْإِسْكَارِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَإِيجَابِ الْقِصَاصِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ فَهَلْ الْمُنَاسَبَةُ حَاصِلَةٌ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ شَرِيفَةٌ بِالْقُوتِ أَوْ رُءُوسِ الْأَمْوَالِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُبَدَّلَ وَاحِدٌ مِنْهَا بِاثْنَيْنِ.

وَيُنَاسِبُ أَيْضًا تَكْثِيرَ الشُّرُوطِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوْ يُقَالُ هَذَا شَبَهٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ لَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْقَوَاعِدِ الَّذِينَ قَصَرُوا الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ إمَّا مُنْكِرُو الْقِيَاسِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ مُنْكِرُو قِيَاسِ الشَّبَهِ خَاصَّةً وَأَنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَبَهٌ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَا جَرَمَ لَمْ يُلْحَقْ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الزَّبِيبُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَقِيَاسِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ إلْحَاقِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ مِنْ الرَّقِيقِ فِي تَشْطِيرِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] لَمْ يَتَنَاوَلْ الذُّكُورَ فَأُلْحِقُوا بِهِنَّ لِعَدَمِ الْفَارِقِ خَاصَّةً لَا لِحُصُولِ الْجَامِعِ، وَكَذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فِي التَّقْوِيمِ فِي الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» فَلَحِقَ بِهِ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَقِيَاسِ الْمَعْنَى لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَّا بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ دُونَ بَقِيَّةِ السِّتَّةِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا فِيهِ الرِّبَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا رِبَا فِيهِ وَحِكَايَةُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَمَدَارِكُهَا لِيَحْصُلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا فَلَحْمُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَحْمُ ذَوَاتِ الْمَاءِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَحْمُ الطَّيْرِ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَبَيْعُ الْغَنَمِ لَحْمٌ بِالْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ أَبُو حَنِيفَةَ دُونَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَبَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بِلَحْمِ الْغَنَمِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ دُونَ الشَّافِعِيِّ وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا فَارَقَتْهَا الْحَيَاةُ زَالَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي بِهَا تَخْتَلِفُ وَتَنَاوُلُهَا اسْمَ اللَّحْمِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ إلَّا أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الْإِدَامُ وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَحْمُهَا مُخْتَلِفًا وَالْحَنَفِيَّةُ تَعْتَبِرُ الِاخْتِلَافَ الَّذِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذِهِ وَتَقُولُ إنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ أَعْنِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ كَالطَّائِرِ وَهُوَ وِزَانُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيْنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْأَخْبَازَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الِاغْتِذَاءُ

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الضَّعَةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْ بَعُدَ الزَّمَانُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تُصَيِّرْهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى هَذَا فَالصِّنَاعَةُ فِي الْجِنْسِ إمَّا بِنَارٍ وَإِمَّا بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ كَانَتْ بِنَارٍ فَإِمَّا أَنْ تُنْقِصْ الْمِقْدَارَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ كَقَلْيِ الْقَمْحِ وَالْخُبْزِ وَإِنْ نَقَصَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَتَخْفِيفِ اللَّحْمِ بِالْأَبْزَارِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ.

وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ لَمْ تُصَيِّرْهُ جِنْسَيْنِ كَشَيِّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفِهِ بِلَا إبْرَازٍ وَطَبْخِهِ مِنْ غَيْرِ مَرَقَةٍ وَمِنْهُ تَجْفِيفُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ الصِّنَاعَةُ بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ تَأْثِيرُهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ وَالشَّاذُّ التَّأْثِيرُ كَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْأَغْرَاضِ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَالتَّقَارُبِ فِيهَا هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْبِدَايَةِ لِلْحَفِيدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِيمَا تَدْخُلُهُ الصَّنْعَةُ مِمَّا أَصْلُهُ مَنْعُ الرِّبَا فِيهِ مِثْلُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ ذَلِكَ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ عَنْ الْجِنْسِ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فَضْلًا عَنْ مُتَفَاضِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ تَغَيُّرًا جُهِلَتْ بِهِ مَقَادِيرُهُ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ وَلَا بِسَوِيقِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكِيلٌ وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ التَّسَاوِي وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ تَنْتَشِرُ بِالطَّحْنِ وَالنَّارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>