للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» زَادَ مُسْلِمٌ «وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الزَّمَانِيِّ يُكْرَهُ قَبْلَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ فَيَحْتَاجُ الْفَرِيقَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَنْعِ وَعَدَمِهِ وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ لَفْظِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ

مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ وَالْخَبَرَ لَا يَلْزَمُ انْحِصَارُهُ فِي الْمُبْتَدَأِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يَنْقَسِمْ فَالتَّحْرِيمُ يَنْحَصِرُ فِي التَّكْبِيرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالتَّحْلِيلُ يَنْحَصِرُ فِي التَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالشُّفْعَةُ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا لَمْ يَنْقَسِمْ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَكُونُ زَمَانُ الْحَجِّ مُنْحَصِرًا فِي الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ الْمُبْتَدَأُ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَأَمَّا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ فَيَجْعَلُ مَحْصُورًا مُبْتَدَأً لَا مَحْصُورًا فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ» أَيْ الْمَوَاقِيتِ لِإِحْرَامِ أَهْلِ هَذِهِ الْجِهَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْمَوَاقِيتِ فَهُوَ الْمُبْتَدَأُ فَيَكُونُ هُوَ الْمَحْصُورَ وَالْمَحْصُورُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورًا فِيهِ بِخِلَافِ الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ مَحْصُورٌ فِيهِ فَلَا يُوجَدُ الْإِحْرَامُ بِدُونِهِ وَفِي الْمَكَانِيِّ مَحْصُورٌ فَأَمْكَنَ أَنْ يُوجَدَ الْإِحْرَامُ بِدُونِهِ فَهَذَا فَرْقٌ جَلِيلٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ فَاعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ فَلَا يُوجَدُ الْإِحْرَامُ مَشْرُوعًا قَبْلَ الزَّمَانِيِّ وَاعْتَبَرَهُ مَالِكٌ فِي الْكَمَالِ فَلَا يُوجَدُ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ كَامِلًا بَلْ نَاقِصُ الْفَضِيلَةِ الْفَرْقُ الثَّانِي

أَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ يُفْضِي إلَى طُولِ زَمَانِ الْحَجِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحْلَالُ حَتَّى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَيَحْتَاجُ الْفَرِيقَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَنْعِ وَعَدَمِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ غَيْرَ قَوْلِهِ إنَّ مَالِكًا يَكْرَهُ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ دُونَ الْمَكَانِيِّ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ فِيهِمَا مَعًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ

(وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ لَفْظِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ لَا يَلْزَمُ انْحِصَارُهُ فِي الْمُبْتَدَأِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ)

قُلْت الْقَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةُ الَّتِي ادَّعَاهَا مِنْ انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالْأَصَحُّ عَدَمُ صِحَّتِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ لَا مِنْ بَابِ الْمَنْطُوقِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَفْهُومِ وَمَا أَرَى الْإِمَامَيْنِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ بَنَيَا عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ

(الْفَرْقُ الثَّانِي أَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ يُفْضِي إلَى الطُّولِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ)

قُلْت كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ فَرْقًا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ]

الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) قَسَّمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّصَرُّفَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ أَنْ يُجْتَنَبَ فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ مَا إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بِهِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ إلَّا مَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ عَادَةً وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا لَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَصْلًا وَالثَّانِي مَا يَحْصُلُ مَعَهُ ذَلِكَ دَنِيًّا وَنَزْرًا وَالثَّالِثُ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ غَالِبُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُجْتَنَبُ الْأَوَّلَانِ وَيُغْتَفَرُ الثَّالِثُ.

وَقَسَّمَ أَبُو الْوَلِيدِ الْغَرَرَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ وَوَسَطٍ وَجَعَلَ الْكَثِيرَ عِبَارَةً عَنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ فَقَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ الْكَثِيرَ فِي الْمَبِيعَاتِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْقَلِيلَ يَجُوزُ وَيَخْتَلِفُونَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَرَرِ مِثْلُ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أَبِيعُكَ أَحَدُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْعَبْدَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَقَدْ لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا أَيُّهُمَا اخْتَارَ وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْخِيَارِ فَلِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْغَرَرِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بَعْضُهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ يُلْحِقُهَا بِالْغَرَرِ الْكَثِيرِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَلَى بَيْعٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَبَعْضُهُمْ كَمَالِكٍ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا يُلْحِقُهَا بِالْغَرَرِ الْقَلِيلِ فَيُجِيزُ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّهُ يُجِيزُ الْخِيَارَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي الْأَصْنَافِ الْمُسْتَوِيَةِ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَقَبَضَ الثَّوْبَيْنِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَخْتَارَ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ مِمَّا يُصِيبُهُ فَقِيلَ: تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ بَلْ يَضْمَنُهُ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ وَقِيلَ يَضْمَنُ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ كَالثِّيَابِ وَلَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَأَمَّا أَخْذُ الْبَاقِي فَقِيلَ: يَلْزَمُ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ اهـ وَقَالَ قَبْلُ: وَالْغَرَرُ يُوجَدُ فِي الْمَبِيعَاتِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ وَالْجَهْلُ عَلَى أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْعَقْدِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْجَهْلُ بِوَصْفِ الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ الْمَبِيعِ أَوْ بِقَدْرِهِ أَوْ بِأَجَلِهِ إنْ كَانَ هُنَالِكَ أَجَلٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ أَوْ تَعَذُّرُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ الْجَهْلُ بِسَلَامَتِهِ أَعْنِي بَقَاءَهُ. اهـ.

الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ قُلْت: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَهْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ إمَّا كَثِيرٌ لَا يُغْتَفَرُ وَإِمَّا قَلِيلٌ يُغْتَفَرُ وَإِمَّا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي اغْتِفَارِهِ وَعَدَمِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي مَا هُوَ إحْسَانٌ صِرْفٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>