غَايَتُهُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ وَهَذَا لَا مُنْكَرَ فِيهِ فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ وَبَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لَا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَإِنَّمَا صَعُبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ طُولَ عُمْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَصَعُبَ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَكَمْ مِنْ تَفْصِيلٍ قَدْ سَكَتَ عَنْهُ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ وَأَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ وَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ وَكَثُرَ تَحْصِيلُهُ لَهَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي وَهُوَ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يُقْبَلُ تَحْرِيرُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ الْفُضَلَاءِ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ) أَمَّا الْمَوَاقِيتُ الزَّمَانِيَّةُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَقِيلَ عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَأَصْلُهَا قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] فَقَوْلُهُ {أَشْهُرٌ} [البقرة: ١٩٧] صِيغَةُ جَمْعٍ مُنَكَّرٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ يَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْ الرَّمْيِ فَيَكْفِي عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ تَخْصِيصًا لِلصِّيغَةِ بِالْوَاقِعِ وَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ الْخِلَافِ وَأَمَّا مِيقَاتُ الْمَكَانِ فَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
تِلْكَ الْأُمُورِ قَالَ (غَايَتُهُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ وَهَذَا لَا مُنْكَرَ فِيهِ فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ وَبَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَوْ فِيمَا قَبْلَ الْوَقْتِ عِنْدَ فِعْلِهِ خَاصَّةً فَلَمْ يُنْتِجْ كَلَامُهُ مَقْصُودَهُ بِوَجْهٍ
قَالَ (وَإِنَّمَا صَعُبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ طُولَ عُمْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَصَعُبَ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَكَمْ مِنْ تَفْصِيلٍ قَدْ سَكَتَ عَنْهُ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ وَأَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ وَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ وَكَثُرَ تَحْصِيلُهُ لَهَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي وَهُوَ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يَقِلُّ تَحْرِيرُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ الْفُضَلَاءِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ لَهُ مَقْصُودَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تِلْكَ التَّفْصِيلَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالْعِلْمُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى لَيْسَ إلَّا الْعِلْمُ الذَّاتِيُّ وَالْعِلْمُ الْمُطْلَقُ التَّفْصِيلِيُّ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ الْإِلَهِيَّةِ بِالِاسْتِغْرَاقِ الْحَقِيقِيِّ فَهُمَا الْمُرَادُ أَنَّ فِي آيَاتِ النَّفْيِ وَالْعِلْمِ الَّذِي يَصِحُّ إثْبَاتُهُ لِلْعِبَادِ هُوَ الْعِلْمُ الْعَطَائِيُّ سَوَاءً كَانَ الْعِلْمَ الْمُطْلَقَ الْإِجْمَالِيَّ أَوْ مُطْلَقَ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ وَالتَّمَدُّحُ إنَّمَا يَقَعُ بِهَذَا فَهُوَ الْمُرَادُ فِي آيَاتِ الْإِثْبَاتِ قَالَ: تَعَالَى {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: ٦٥] وَقَالَ: تَعَالَى {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ اهـ الْمُرَادُ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت.
٢ -
(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) فِي بَيَانِ الْوَاجِبِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ قَالَ الشَّيْخُ الطُّرْطُوشِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ وَهُمَا كُلُّ شَخْصٍ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَتَنَاكَحَا كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلُوا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَأَمَّا أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ فَلَيْسَتْ الصِّلَةُ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةً كَجَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَبِرُّهُمَا وَتَرْكُ إذَايَتِهِمَا وَاجِبَةٌ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ الْعَمِّ وَبِنْتَيْ الْخَالِ وَإِنْ كُنَّ يَتَغَايَرْنَ وَيَتَقَاطَعْنَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَقَدْ لَاحَظَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّرَاجُعِ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ بِتَحْرِيمِهِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ.
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ بَعْضُهُمْ حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك؟ قَالَ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك» رُوِيَ ثَلَاثًا وَرُوِيَ مَرَّتَيْنِ فَعَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ يَكُونُ لَهَا ثُلُثَا الْبِرِّ وَعَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ يَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ اهـ وَهُوَ بَاطِلٌ إذْ الْوَاجِبُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ الْمَضْمُومَةِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَطْفِ بِثُمَّ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ عَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْ الْبِرِّ بِكَثِيرٍ كَمَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الثُّلُثِ وَأَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِكَثِيرٍ كَمَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الرُّبُعِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ سُؤَالٌ عَنْ أَعْلَى الرُّتَبِ فَلَمَّا.
أُجِيبَ عَنْهَا عُرِفَ أَنَّهَا الرُّتْبَةُ الْعَالِيَةُ وَقَوْلُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مَنْ بِصِيغَةِ ثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ: أُمُّك فَلَا يَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ مُطَابِقًا حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْأَجْوِبَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِتِلْكَ الرُّتَبِ الْمُجَابِ بِهَا فَكَمَا وَجَبَ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى كَذَلِكَ يَجِبُ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ عَمَلًا بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالنُّقْصَانِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ بِمِقْدَارَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ الْأُمِّ مَرَّتَيْنِ وَبِثَلَاثِ مَقَادِيرَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ فَتَفَاوُتُ الرُّتَبِ مُتَحَقِّقٌ جَزْمًا إلَّا أَنَّ ضَبْطَ مِقْدَارِهِ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَتَّى الْآنَ فَإِنْ تَيَسَّرَ لَك ضَبْطُهُ فَاضْبِطْهُ وَعَطْفُ الْأُمِّ بِثُمَّ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى الْأُمِّ نَفْسِهَا فِي الْمَرْتَبَةِ الَّتِي قَبْلُ وَإِنْ خَالَفَ فِي الظَّاهِرِ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ فَالْعَطْفُ هُنَا عَلَى حَدِّ الْعَطْفِ فِي قَوْلِك زَيْدٌ ابْنٌ وَأَخٌ وَفَقِيهٌ وَتَاجِرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ.