مِنْ الْفِعْلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ الطَّهَارَةَ وَالسِّتَارَةَ وَالِاسْتِقْبَالَ شُرُوطٌ فَهِيَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَا عِلْمُهُ وَلَا إرَادَتُهُ.
فَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَهِّرٍ وَلَا لَابِسٍ وَلَا مُسْتَقْبِلٍ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَتَحْصِيلِهَا فَاجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ وَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَابِسٌ مُسْتَقْبِلٌ انْدَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَبَقِيَ خِطَابُ الْوَضْعِ خَاصَّةً فَأَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ التَّعَسُّفَاتِ بَلْ نُخْرِجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ أَلْبَتَّةَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ الْفِعْلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ) قُلْت لَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ السُّؤَالُ بِمَا دَفَعَهُ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ أَوْ بِالْمُسْتَحِيلِ كَمَا مَثَّلَ أَمَّا إذَا حَلَفَ وَعَلَّقَ يَمِينَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقَعَ مَعَهُ ابْتِدَاءً ذَلِكَ الْفِعْلُ أَوْ يَكُونُ مُلَابِسًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ فِي حِينِ الْيَمِينِ حَنِثَ عَلَى خِلَافٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْحِنْثِ أَنَّ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْفِعْلِ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ ابْتِدَاءً.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَالِفَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِ اسْتِمْرَارِ اللَّبْسِ قَالَ (وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ شُرُوطٌ فَهِيَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَا عِلْمُهُ وَلَا إرَادَتُهُ إلَى قَوْلِهِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ) قُلْت فَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا خِطَابُ الْوَضْعِ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَزِمَ اشْتِرَاطُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ قَالَ (وَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَابِسٌ مُسْتَقْبِلٌ انْدَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَبَقِيَ خِطَابُ الْوَضْعِ خَاصَّةً فَأَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ) قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ اجْتِمَاعُهُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَكِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا وَقَعَ فِي أُمُورٍ اجْتَمَعَ فِيهَا الْخِطَابَانِ مَعًا وَقَوْلُهُ إنَّهُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُسْتَصْحِبٌ لِتِلْكَ الْأُمُورِ لَيْسَ الْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ هَلْ أَوْقَعَ وَاجِبًا أَمْ لَا وَهَلْ تَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْوُجُوبِ أَمْ لَا وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَرْتَفِعُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ.
قَالَ (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ التَّعَسُّفَاتِ بَلْ نُخْرِجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ أَلْبَتَّةَ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ لِاجْتِمَاعِ الْخِطَابَيْنِ فِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ.
أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سِعَةَ الرِّزْقِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ ضِيقَ الرِّزْقِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَعْنِي تَقْدِيرَ الْعِلْمِ بِنَحْوِ الْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ أَيْضًا كَمَا نَقُولُ مَا قَدَّرَ اللَّهُ دُخُولَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيمَانِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهُمْ مَعَ عَدَمِهِ الْجَنَّةَ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَا قَدَّرَ لِلْكُفَّارِ النَّارَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَهَا لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمْ بِهِ فَظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: ١٨٨] أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُدِّرَ حُصُولُ الْعِلْمِ لَهُ بِعَوَاقِبَ يَوْمِ أُحُدٍ مَثَلًا لَكَثُرَ عِنْدَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْآنَ وَمَا مَسَّهُ السُّوءُ أَيْ الْمِحْنَةُ فِيهِ وَقَتْلُ حَمْزَةُ وَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا عَلِمَ الْغَيْبَ وَاَلَّذِي فِي الْغَيْبِ هُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْخَيْرِ فَكَيْفَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الْخَيْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ بَلْ لَوْ قُدِّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ لَبَقِيَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعِلْمِ عَوَاقِبِ يَوْمِ أُحُدٍ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلْمُ التَّفْصِيلِيُّ لَا الْإِجْمَالِيُّ لِحُصُولِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَشْهَدُ مَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ إنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي بَقَرًا فَأَوَّلْتُهَا خَيْرًا تُذْبَحُ وَرَأَيْت فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا فَأَوَّلْتُهَا هَزِيمَةً وَرَأَيْت أَنِّي أَدْخَلْت يَدَيَّ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةُ فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ فَافْعَلُوا» . اهـ.
الْمُرَادُ فَتَأَمَّلْ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ رِضَاخَانْ الْبِرُّ يَلْوِي فِي كِتَابِهِ الدَّوْلَةُ الْمَكِّيَّةُ بِالْمَادَّةِ الْغَيْبِيَّةِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْعِلْمُ الْمُطْلَقُ التَّفْصِيلِيُّ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: ٤٠] وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ أَعْنِي الْعِلْمَ الْمُطْلَقَ الْإِجْمَالِيَّ وَمُطْلَقَ الْعِلْمِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ فَغَيْرُ مُخْتَصَّاتٍ بِهِ تَعَالَى أَمَّا الْمُطْلَقُ الْإِجْمَالِيُّ فَحُصُولُهُ لِلْعِبَادِ بَدِيهِيٌّ عَقْلًا وَضَرُورِيٌّ دِينًا فَإِنَّا آمَنَّا أَنَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَلَاحَظْنَا بِقَوْلِنَا كُلُّ شَيْءٍ جَمِيعَ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَعَلِمْنَاهَا جَمِيعًا عِلْمًا إجْمَالِيًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّ بِثُبُوتِ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ الْإِجْمَالِيِّ ثُبُوتَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ الْإِجْمَالِيِّ بَلْ وَكَذَلِكَ التَّفْصِيلِيُّ مِنْهُ فَإِنَّا آمَنَّا بِالْقِيَامَةِ وَبِالْجَنَّةِ وَبِالنَّارِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالْأُمَّهَاتِ السَّبْعِ مِنْ صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْبٌ وَقَدْ عِلْمنَا كُلًّا بِحِيَالِهِ مُمْتَازًا عَنْ غَيْرِهِ فَوَجَبَ حُصُولُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ بِالْغُيُوبِ