للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِلْفَرِيقَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْقَضَاءِ فِي النَّوَافِلِ وَيَقُولُونَ الْمَأْمُومُ فِيمَا فَاتَهُ هَلْ يَكُونُ قَاضِيًا أَمْ بَانِيًا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْقَضَاءِ لَا فِي أَنَّهُ يُسَمَّى قَضَاءً لَوْ وَقَعَ فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَا فَاتَهُ مِنْ الْمَغْرِبِ جَهْرًا لَكَانَ قَضَاءً اتِّفَاقًا إنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ١٠] مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ وَقَضَاءَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْوَقْتِ فَبَطَلَ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ حَدُّ الْأَدَاءِ وَحَدُّ الْقَضَاءِ قُلْتُ الْقَضَاءُ فِي اصْطِلَاحِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ: أَحَدُهُمَا إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَحْدِيدُهُ، وَثَانِيهَا: إيقَاعُ الْوَاجِبِ بَعْدَ تَعْيِينِهِ بِالشُّرُوعِ وَمِنْهُ حِجَّةُ الْقَضَاءِ وَمِنْهُ قَضَاءُ النَّوَافِلِ إذَا شُرِعَ فِيهَا وَهَذَا مُغَايِرٌ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِنَا خَارِجَ وَقْتِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِنَا بَعْدَ تَعَيُّنِهِ بِالشُّرُوعِ فَإِنَّ بَعْدِيَّةَ الْوَقْتِ غَيْرُ بَعْدِيَّةِ الشُّرُوعِ، وَثَالِثُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّعْيِينِ بِالشُّرُوعِ، وَمِنْهُ قَضَاءُ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ إذَا صُلِّيَتَا جَهْرًا فَهَذَا خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّ وَضْعَ الشَّرِيعَةِ تَقَدُّمُ الْجَهْرِ عَلَى السِّرِّ فَتَأْخِيرُهُ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ فِي الِاصْطِلَاحِ وَيُلْحَقُ بِهَا قِسْمٌ رَابِعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: إنَّ السُّنَنَ تُقْضَى لِتَقَدُّمِ أَسْبَابِهَا لَا لِلشُّرُوعِ فِيهَا فَيَكُونُ مُفَسَّرًا عِنْدَهُ أَيْضًا بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ بَعْدَ تَقَدُّمِ سَبَبِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: ١٠] فَذَلِكَ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ لَا اصْطِلَاحِيٌّ فَيُقَالُ قُضِيَ الْفِعْلُ إذَا فُعِلَ كَيْفَ كَانَ فَقَضَى بِمَعْنَى فَعَلَ وَهَذَا غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ لَفْظُ الْقَضَاءِ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ عَلَى خَمْسَةِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ وَوَاحِدٌ لُغَوِيٌّ وَاللَّفْظُ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَحَدَّدْنَا بَعْضَ تِلْكَ الْمَعَانِي لَا يَرِدُ عَلَيْنَا غَيْرُهُ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي نَقْضًا وَلَا سُؤَالًا كَمَا إذَا حَدَّدْنَا الْعَيْنَ بِمَعْنَى الْحَدَقَةِ بِأَنَّهَا عُضْوٌ يَتَأَتَّى بِهِ الْإِبْصَارُ فَيَقُولُ السَّائِلُ يُنْتَقَضُ عَلَيْكَ بِعَيْنِ الْمَاءِ وَبِالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسَمَّى عَيْنًا فَلَا يُسْمَعُ هَذَا السُّؤَالُ فَإِنَّ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ أَنْ تَكُونَ حُدُودُهَا مُخْتَلِفَةً فَحِينَئِذٍ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا حَقِيقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْحَقَائِقِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى تَحْدِيدِنَا الْقَضَاءَ بِالْمُوقَعِ خَارِجَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ فَانْدَفَعَتْ الْأَسْئِلَةُ الَّتِي وَرَدَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَاسْتَقَامَ حَدُّ الْقَضَاءِ وَحَدُّ الْأَدَاءِ وَظَهَرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ وَقْتُهُ فَلَا يُوصَفُ لَا بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ.

(فَائِدَةٌ) الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَرَمَضَانَ، وَمِنْهَا مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا كَالنَّوَافِلِ إلَّا بِذَلِكَ التَّفْسِيرِ الْآخَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ، وَمِنْهَا مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ فَقَطْ كَالْجُمُعَةِ.

[الْمُكَلَّفَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ]

فَائِدَةٌ: اتَّضَحَ بِمَا تَحَرَّرَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِخِلَافِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فَلِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا فِي انْتِفَاءِ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ، قَالَ: إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّكَاةِ وَوَرَدَتْ فِي السَّائِمَةِ فَبَقِيَتْ الْمَعْلُوفَةُ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ تَحَقُّقِهِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مُطْلَقًا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَوْ كَلَامِ النَّاسِ.

نَعَمْ قَالَ الْعَطَّارُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: إنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يُنْكِرُونَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، أَمَّا فِي كَلَامِ النَّاسِ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ عَكْسُ مَا لِوَالِدِ الْمُصَنِّفِ مِنْ إنْكَارِهِ الْكُلَّ فِي غَيْرِ الشَّرْعِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ وَالْوَاقِفِينَ لِغَلَبَةِ الذُّهُولِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِهِ فِي الشَّرْعِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ قَالَ سم: وَحَاصِلُ كَلَامِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَعْنًى يُقْصَدُ تَبَعًا لِلْمَنْطُوقِ فَلَا يُعْتَبَرُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ؛ إذْ الْأُمُورُ التَّابِعَةُ إنَّمَا يُعْتَدُّ بِهَا مِمَّنْ قَصَدَهَا وَلَاحَظَهَا وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ وَلَا وُثُوقَ بِقَصْدِهِ وَمُلَاحَظَتِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَوَقُّفُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِرَادَةِ بَلْ الَّذِي فِيهِ تَوَقُّفٌ اعْتِبَارُهَا فِي الْمَعَانِي التَّابِعَةِ لَا مُطْلَقًا عَلَى مَنْ يُوثَقُ فِيهِ بِإِرَادَتِهِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ اهـ.

٢ -

وَوَجْهُ بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ إذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ تَحَقُّقِهِ وَإِنْ قَالُوا إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَاعٍ إلَى دَعْوَى الِاضْطِرَارِ إلَى النُّطْقِ بِمَا لَا يَقْصِدُ وَاضْطِرَارُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَمْرٍ مَا مُحَالٌ كَمَا عَلِمْت.

الثَّانِي: أَنَّ وُجُوهَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ ضَعِيفَةٌ.

أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يُقَرِّرَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لِلْحَصْرِ لَزِمَ اشْتِرَاكُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الِاخْتِصَاصِ وَالِاشْتِرَاكِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْمَذْكُورِ قَطْعًا فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَهُوَ الِاخْتِصَاصُ وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ الِاشْتِرَاكُ وَهَذَا تَرْدِيدٌ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَاللَّازِمُ أَعْنِي الِاشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلِاشْتِرَاكِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَإِمَّا أَنْ يُقَرِّرَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدْ الِاخْتِصَاصَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَصْرِ فِيهِ إلَّا اخْتِصَاصَهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يَحْصُلْ وَاللَّازِمُ أَعْنِي انْتِفَاءَ إفَادَتِهِ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ دُونَ غَيْرِهِ مُنْتَفٍ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّهُ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>