للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي، وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ إنَّمَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ قَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا أَوْ شَهِدْتُ بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَكُونُ هَذَا أَدَاءَ شَهَادَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا مُخْبِرٌ عَنْ أَمْرٍ تَقَدَّمَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا مَنَعَ مِنْ الشَّهَادَةِ بِهِ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ حُدُوثِ رِيبَةٍ لِلشَّاهِدِ تَمْنَعُ الْأَدَاءَ فَلَا يَجُوزُ لِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الِاعْتِمَادُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فَالْخَبَرُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْأَخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا، وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ إنَّمَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ) .

قُلْت هَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يَفْهَمُ مُقْتَضَى الْكَلَامِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَنْ يَقُولُ لِلْقَاضِي أَنَا أُخْبِرُك بِأَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا مُخْبِرًا لِلْقَاضِي أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا بَلْ مُخْبِرًا بِأَنَّهُ مُخْبِرٌ وَهَلْ الْعِبَارَةُ عَنْ إخْبَارِهِ عَنْ الْخَبَرِ إلَّا عَيْنَ تِلْكَ، وَهِيَ أَنَا مُخْبِرُك أَنِّي مُخْبِرُك لَا أَنَا مُخْبِرُك بِكَذَا، هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لَا يَفُوهُ بِهِ مَنْ يَفْهَمُ شَيْئًا مِنْ مُضَمَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمُقْتَضَى مَسَاقِهَا قَالَ (فَظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ) قُلْت لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ أَصْلًا وَلَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ قَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا أَوْ شَهِدْت بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَكُونُ هَذَا أَدَاءَ شَهَادَةٍ إلَى قَوْلِهِ فَالْخَبَرُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ) قُلْت إذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الشَّاهِدِ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي لَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ شَهَادَةً فَلَا أَدْرِي بِأَيِّ لَفْظٍ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ وَمَا هَذَا كُلُّهُ إلَّا تَخْلِيطٌ وَوَسْوَاسٌ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ قَالَ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْأَخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا) قُلْت يَا لِلْعَجَبِ وَهَلْ إنْشَاءُ الْأَخْبَارِ إلَّا الْإِخْبَارَ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) قُلْت مِنْ هُنَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَهْمُ وَهُوَ أَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِنْشَاءِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمَجْعُولُ لِمُتَوَلِّيهَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ قِيَامِهِ بِهَا لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ بِسَبَبِهِ مُقَصِّرًا عَادَةً، وَالْمُدَّةُ مَعَ ذَلِكَ يَسِيرَةٌ عُرْفًا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ فِي جَوَابٍ لَهُ مَذْكُورٍ فِي الْمِعْيَارِ، وَنَصُّهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا كُلُّ مَنْ جُعِلَ لَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى قِرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمُرَتَّبَ كَالْأَجِيرِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقُومُ بِحَقِّ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا عَطَّلَ مُدَّةً يَسِيرَةً كَخُرُوجِهِ إلَى ضَيْعَتِهِ، وَتَفَقُّدِ شُئُونِهِ أَوْ يَمْرَضُ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأُجْرَةُ اهـ.

وَمَثَّلَ لِلْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ فِي جَوَابٍ لَهُ آخَرَ مَذْكُورٍ فِيهِ أَيْضًا بِالْجُمْلَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ اُنْظُرْ الْقَوْلَ الْكَاشِفَ اهـ.

بِلَفْظِهَا، وَقَدْ قَدَّمْت فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةِ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْإِقْنَاعِ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ جَوَازُ اسْتِنَابَةِ الْأَجِيرِ فِي مِثْلِ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ، وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَا اُسْتُنِيبَ فِيهِ فَلَا تَغْفُلْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق مَا نَصَّهُ ابْنُ يُونُسَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْوَكَالَةِ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: ١٩] وَقَوْلُهُ {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦] وَالْأَوْصِيَاءُ كَالْوُكَلَاءِ، وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَجَعَلَ وَكِيلُهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ فَبَاعَ وَاحِدَةً بِدِينَارٍ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَرَكَةِ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالَةِ لِلْمَرِيضِ وَالْغَائِبِ وَالْحَاضِرُ مِثْلُ ذَلِكَ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ]

(الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ) أَقُولُ هَذَا الْفَرْقُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ.

وَقَدْ وَضَّحْته هُنَاكَ أَتَمَّ تَوْضِيحٍ، وَضَمَمْت مَا زَادَهُ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَلَمْ أَذْكُرْهَا هُنَاكَ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ يَوْمَ الْغَصْبِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَأَنَّ صَدَاقَ الْمِثْلِ يَجِبُ لِلْمَوْطُوءَةِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوَّلَ يَوْمِ الشُّبْهَةِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَحُجَّتُنَا فِي الْغَصْبِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>