للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ مُدْرَكٌ لِلتَّحَمُّلِ، وَمَا لَيْسَ بِمُدْرَكٍ مَعَ مُسَبِّبَاتِهِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى عَدَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْحَوَاسِّ فَقَطْ كَمَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَلْ لَوْ أَفَادَتْ الْقَرَائِنُ الْقَطْعَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِهَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ.

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ)

اعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي أَنَا أُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِأَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا عَنْ يَقِينٍ مِنِّي، وَعِلْمٍ فِي ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً بَلْ هَذَا وَعْدٌ مِنْ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ سَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عَنْ يَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْوَعْدِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ كَذِبًا لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَقَدُّمُ الْأَخْبَارِ مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْكَذِبِ لَا يَجُوزُ فَالْمُسْتَقْبَلُ وَعْدٌ، وَالْمَاضِي كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُقْتَضِي لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ)

قُلْت هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ لَا فِي الْعُقُودِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ (اعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَوَّلِ فَرْقٍ مِنْ الْكِتَابِ حِكَايَةً عَنْ الْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ خَبَرَانِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَلَا رَدَّهُ بَلْ جَرَى فِي مَسَاقِ كَلَامِهِ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ وَصِحَّتِهِ قَالَ (فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي أَنَا أُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي إلَى قَوْلِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةٌ) قُلْت ذَلِكَ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أُخْبِرُك وَلَمْ يَقُلْ أَشْهَدُ عِنْدَك قَالَ (بَلْ هَذَا وَعْدٌ مِنْ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ سَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عَنْ يَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْوَعْدِ) قُلْت وَمِنْ أَيْنَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ وَعْدٌ وَلَعَلَّهُ إنْشَاءُ أَخْبَارٍ فَيَكُونُ شَهَادَةً إذْ الشَّهَادَةُ خَبَرٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ هُنَالِكَ قَرِينَةً تَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حُضُورِ مَطَالِبٍ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ (وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ كَذِبًا إلَى قَوْلِهِ فَالْمُسْتَقْبَلُ وَعْدٌ وَالْمَاضِي كَذِبٌ) قُلْت إنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ أَخْبَارٌ فَذَلِكَ كَذِبٌ كَمَا قَالَ قَالَ (وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُقْتَضِي لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَمُخَالَفَتُهُ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي، وَأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ إذَا وَقَعَتْ مَعَ عَدَمِ الْغَدْرِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّائِبِ، وَلَا لِلْمَنُوبِ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَرَاجِ الْوَقْفِ حَيْثُ قَالَ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةِ مَا نَصُّهُ إذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِوَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْخَطَابَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنْهُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْأَعْذَارِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اسْتِحْقَاقِهِ صِحَّةُ وِلَايَتِهِ، وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ، وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ خَطِيبٌ أَوْ مُدَرِّسٌ فَلَا تَصِحُّ الْوِلَايَةُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ اسْتَنَابَ فِي أَيَّامِ الْأَعْذَارِ جَازَ لَهُ تَنَاوُلُ رِيعِ الْوَقْفِ، وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ اهـ.

وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ اهـ.

كَلَامُ الْبُنَانِيِّ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي حَاشِيَةِ كنون قَالَ الشَّيْخُ الْمِسْنَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا يُعَدُّ عُذْرًا، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الْعَارِضَةَ لِلْمَرْءِ مِنْهَا مَا تَتَعَذَّرُ مَعَهُ مُبَاشَرَةُ الْوَظِيفَةِ عَادَةً كَالْمَرَضِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ وَالْغَيْبَةِ الْجَبْرِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا تُمْكِنُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَهُ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْعَارِضِ غَيْرَ أَنَّ فِي تَرْكِهِ فَوَاتَ مَنْفَعَةٍ أَوْ تَرْتِيبَ مَضَرَّةٍ كَخُرُوجِ مَنْ لَا كَافِيَ لَهُ إلَى مُطَالَعَةِ ضَيْعَتِهِ أَوْ تَفَقُّدِ بَعْضِ شُئُونِهِ أَوْ شُهُودِ وَلِيمَةٍ دُعِيَ إلَيْهَا فِي وَقْتِ الْوَظِيفَةِ أَوْ تَشْيِيعِ جِنَازَةِ قَرِيبٍ أَوْ صِدِّيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا تُمْكِنُ مَعَهُ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ تَرَتُّبِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَقَصْدِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَكَتَعَاطِي أَسْبَابِ غَيْرِ حَاجِيَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ دُونَ الثَّالِثِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا نَقَلَهُ فِي آخِرِ نَوَازِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمِعْيَارِ عَنْ إمَامَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ مِنْ قَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَسْتَنِيبُ إلَّا لِعُذْرٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِاسْتِنَابَةِ فِيهِ كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ، وَقَوْلُ الثَّانِي لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ بِسَبَبِهِ مُقَصِّرًا، وَمَا نَقَلَهُ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ نَوَازِلِ الْحَبْسِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيِّ مِنْ تَمْثِيلِهِ لِلْعُذْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى الضَّيْعَةِ، وَانْظُرْ السَّفَرَ لِلزِّيَارَةِ هَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ أَوْ مِنْ الثَّانِي لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مُتَوَلِّيَ الْوَظِيفَةِ إذَا عَطَّلَهَا رَأْسًا بِأَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ بِهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا اسْتَنَابَ فِيهَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ كَثِيرَةً أَوْ يَسِيرَةً، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ الْمُرَتَّبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>