للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَثْبُتُ بِالْحِسِّ بَلْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالْإِعْسَارِ يُدْرَكُ بِالْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ بِقَرَائِنَ كَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَالضُّرِّ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْيَقِينِ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى، وَالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ خِلَافًا فِي الشَّهَادَةِ بِالظَّنِّ بَلْ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ فَالْمَالِكِيَّةُ يَقُولُونَ الْأَعْمَى قَدْ يَحْصُلُ لَهُ الْقَطْعُ بِتَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ فَيَشْهَدُ بِهَا، وَيَحْصُلُ لِلْبَصِيرِ الْقَطْعُ بِبَعْضِ الْخُطُوطِ فَيَشْهَدُ بِهَا فَمَا شَهِدَ إلَّا بِالْعِلْمِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ لِالْتِبَاسِ الْأَصْوَاتِ وَكَثْرَةِ التَّزْوِيرِ فِي الْخُطُوطِ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ التَّنَازُعِ بَيْنَهُمْ.

(تَنْبِيهٌ) : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِالْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا مَا هُوَ قَاطِعٌ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الظَّنِّ الضَّعِيفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ بَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمُدْرِكِ عِلْمًا فَقَطْ فَلَوْ شَهِدَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْ دَفَعَهُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِصْحَابِ الَّذِي لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ الضَّعِيفَ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ مَعَ احْتِمَالِ دَفْعِهِ، وَيَشْهَدُ بِالْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ لِوَارِثِهِ مَعَ جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ وَرِثَهُ، وَيَشْهَدُ بِالْإِجَارَةِ، وَلُزُومُ الْأُجْرَةِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ.

وَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الضَّعِيفُ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ مَا يَبْقَى فِيهِ الْعِلْمُ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ الصُّوَرِ مِنْ ذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَيَبْقَى الْعِلْمُ عَلَى حَالِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ النُّطْقِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ إذَا شَهِدَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ حَكَمَ بِنَقْضِهِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ فَأَكْثَرُهَا إنَّمَا فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرِكِ لَا فِي دَوَامِهِ فَقَدْ تَلَخَّصَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (تَنْبِيهُهُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ فِي أَكْثَرِ الشَّهَادَاتِ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِالظَّنِّ الضَّعِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِأَنَّ زَيْدًا وَرِثَ الْمَوْضِعَ الْفُلَانِيَّ مَثَلًا أَوْ اشْتَرَاهُ جَازِمًا بِذَلِكَ لَا ظَانًّا وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ بَاعَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا تَتَعَرَّضُ لَهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْجَزْمِ لَا فِي نَفْيِهِ وَلَا فِي إثْبَاتِهِ وَلَكِنْ تَتَعَرَّضُ لَهُ بِنَفْيِ الْعِلْمِ بِبَيْعِهِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَمَا تَوَهَّمَ أَنَّهُ مُضَمَّنُ الشَّهَادَةِ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ فَهَذَا التَّنْبِيهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَقَعَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ قَالَ فَإِذَا جَعَلَ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ فَاعِلًا أَمْرًا فَإِنْ كَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُبَاشِرَهُ أَوْ لَا حَقَّ لَهُ فِي مُبَاشَرَتِهِ فَهُوَ أَمْرٌ، وَإِنْ صَحَّتْ مُبَاشَرَتُهُ، وَكَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ نِيَابَةٌ فَجَعْلُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ يَقْتُلُ رَجُلًا عَمْدًا عُدْوَانًا هُوَ أَمْرٌ لَا نِيَابَةٌ، وَجَعْلُهُ يَقْتُلُهُ قِصَاصًا نِيَابَةً، وَوَكَالَةً اهـ.

وَرُدَّ بِهَذَا عَلَى ابْنِ هَارُونَ الَّذِي أَبْطَلَ طَرْدَ تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْوَكَالَةَ بِأَنَّهَا نِيَابَةٌ فِيمَا لَا تَتَعَيَّنُ الْمُبَاشَرَةُ بِالنِّيَابَةِ فِي الْمَعَاصِي كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَقَتْلِ الْعُدْوَانِ ثُمَّ نَاقَضَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ مِنْ أَنَّ الْوَكَالَةَ الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنْ النِّيَابَةِ تُعْرَضُ لَهَا الْحُرْمَةُ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ الْحَرَامِ، وَهُوَ مَمْنُوعُ الْمُبَاشَرَةِ فَتَأَمَّلْهُ قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُنَاوِيُّ اهـ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الْعَاشِرِ وَالْمِائَةِ تَوْضِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَفِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ مَا يُوَضِّحُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَبَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ الْعَيْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ، وَالْخُشُوعُ، وَإِجْلَالُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا لِذَاتِهَا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً أَوْ رَغِيبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً لِعَدَمِ سُقُوطِهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ إذَا فَعَلَهَا النَّائِبُ عَنْهُ لِفَوَاتِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي طَلَبَهَا الشَّارِعُ حِينَئِذٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ خُضُوعِ الْوَكِيلِ خُضُوعُ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ، وَأَمَّا النِّيَابَةُ عَلَى إيقَاعِهَا بِمَكَانٍ وَزَمَنٍ مَخْصُوصَيْنِ فَتَصِحُّ كَالْقَارِئِ مُطْلَقًا، وَكَنِيَابَةٍ فِي أَذَانٍ وَإِمَامَةٍ، وَنَحْوِهِمَا كَقِرَاءَةٍ بِمُصْحَفٍ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ لِضَرُورَةٍ اهـ.

الْمُرَادُ قَالَ الْبُنَانِيُّ، وَفِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجِّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَجِيرَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إلَّا فِي الْحَجِّ، وَلَا يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ، وَأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ غَرَضِ الْمَيِّتِ الْمُوصِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ، وَجَنَى إنْ وَفَى دَيْنَهُ، وَمَشَى مَا نَصُّهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْمَنُوفِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ، وَمِثْلُ هَذَا الْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا يَأْخُذُهَا الْوَجِيهُ بِوَجَاهَتِهِ ثُمَّ يَدْفَعُ مِنْ مُرَتَّبَاتِهَا شَيْئًا قَلِيلًا لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فَأَرَى أَنَّ الَّذِي أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ حَرَامٌ لِأَنَّهُ اتَّخَذَ عِبَادَةَ اللَّهِ مَتْجَرًا، وَلَمْ يُوفِ بِقَصْدِ صَاحِبِهَا إذْ مُرَادُهُ التَّوْسِعَةُ لِيَأْتِيَ الْأَجِيرُ بِذَلِكَ مَشْرُوحَ الصَّدْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا إنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنِّي أَعْذُرُهُ لِضَرُورَتِهِ اهـ.

فَكَلَامُ الْمَنُوفِيِّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَمْرَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ النَّائِبَ مَعَ الضَّرُورَةِ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَعَ الْمَنُوبِ عَنْهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. (الثَّانِي) أَنَّ النَّائِبَ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْخَرَاجِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ الْمُوَافَقَةُ لِلْمَنُوفِيِّ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>