للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُرْفِ الشَّرْعِ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْغَالِبَ عَلَى الشَّخْصِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْوَصْفُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ الْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَأَنَّ الْقَبُولَ مَشْرُوطٌ بِالتَّقْوَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ يَبْقَى قَابِلًا لِلْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بِالْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ سَيِّدُ الْمُتَّقِينَ وَكَذَلِكَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَالْمَدْعُوُّ بِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِصَدَدِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ؛ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ وُقُوعُهُ لَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَعَدَمُ حُصُولِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْغَالِبَ عَلَى الشَّخْصِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي أَنَّ التَّقْوَى شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ مُسَلَّمٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ وَصْفَ التَّقْوَى فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ وَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ مُسَلَّمٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْقَبُولِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِمُعَارَضَةِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَظَافِرَةِ بِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّحِيحَةِ، وَلَيْسَ كَوْنُ التَّقْوَى عُرْفًا مَا فَسَّرَهَا بِهِ بِالْمُقَاوِمِ فِي الظُّهُورِ لِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ هَذَا إنْ لَمْ تَقُلْ بِانْتِهَاءِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ إلَى الْقَطْعِ بِلُزُومِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَالْقَطْعُ بِذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَمَنْ تَتَبَّعَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَتَأَمَّلَ مَسَاقَ الْكَلَامِ فِيهِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْوَصْفُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَعَدَمُ حُصُولِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ حُصُولِ الثَّوَابِ بَلْ يَلْزَمُ حُصُولُهُ لَا لِمُجَرَّدِ حُصُولِ الشَّرْطِ بَلْ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَوْنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا بِالْقَبُولِ قَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِصَدَدِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ إنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ عِلْمِنَا فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَعَلَّقَ أَزَلًا بِمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ وُقُوعُهُ لَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَكَلَامٌ لَيْسَ لَهُ حَاصِلٌ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَشْرُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَالْمَدْعُوُّ بِهِ مُسْتَقَرٌّ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى حُصُولُهُ أَوْ عَدَمُ حُصُولِهِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِحُصُولِهِ يَكُونُ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ حُصُولِهِ يَكُونُ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْمُمْتَنِعِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي بَادِي الرَّأْيِ مُحَالٌ.

وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الطَّلَبُ عَقْلًا جَوَازَ الْمَطْلُوبِ بَلْ يَجُوزُ طَلَبُ الْجَائِزِ وَغَيْرِ الْجَائِزِ فَلَا فَرْقَ فِي الْعَقْلِ بَيْنَ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْوَاقِعِ الْحَاصِلِ وَبَيْنَ طَلَبِ تَحْصِيلِ غَيْرِهِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ شَرْعِيٌّ فَذَاكَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ]

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ)

قِيلَ: لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قِيلَ: يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ تَقْيِيدُ الْحَقِيقَةِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ بِأَنْ وُجِدَ مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا كَوَصْفِ الرَّبَائِبِ بِاَللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] وَهُنَّ جَمْعُ رَبِيبَةٍ بِنْتُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ مِنْ آخَرَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهَا غَالِبًا كَمَا يُرَبِّي وَلَدَهُ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَسُمِّيَتْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرِبْهَا وَإِنَّمَا لَحِقَتْهُ الْهَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ اسْمًا فَكَوْنُهُنَّ فِي حُجُورِ أَزْوَاجِ الْأُمَّهَاتِ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِنَّ فَوَصَفَهُنَّ بِهِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فَلَا يَدُلُّ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَقِيقَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالْكَلَامِ الْمُفِيدِ لِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهِنَّ فِي حُجُورِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا إجْمَاعًا.

فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَهُ شَرْطًا حَتَّى إنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ وَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ وَقَدْ وَلَدَتْ لِي فَوَجَدْت عَلَيْهَا فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا لَكَ فَقُلْت تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَهَا ابْنَةٌ؟ فَقُلْت: نَعَمْ وَهِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِك؟ قُلْت: لَا، قَالَ: فَانْكِحْهَا قُلْت: فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣] قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك، قَالَ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: إسْنَادُهُ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إلَى عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا اهـ بِتَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ مِنْ الْعَطَّارِ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ إجْمَاعُ الْأَرْبَعَةِ الْأَئِمَّةِ لَا جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ لَكِنْ فِي الْمُحَلَّى عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ.

وَقَدْ مَشَى فِي النِّهَايَةِ فِي آيَةِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ فِيهَا لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِهِ وَمِنْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>