للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ الْمَيامِيسِ وَكَانَتْ تَأْتِي إلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ فَوَلَدَتْ فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَوَاقَعَنِي» وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمِّ فِي قَطْعِ النَّافِلَةِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَوْ يُقَالُ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ يُقْطَعُ لِلْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالْأَصَالَةِ مَعَ أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ نَظَرًا وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دُعَاءَهَا فِيهِ وَاسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لِوُجُوبِ حَقِّ الدَّاعِي وَأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي فِقْهِ الْأَدْعِيَةِ أَنَّ دُعَاءَ الظَّالِمِ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الْمَظْلُومِ وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ سَبَبًا لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لِلْمَظْلُومِ لِأَجْلِ ذَنْبٍ تَقَدَّمَ مِنْ الْمَظْلُومِ وَعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ طَرِيقِ هَذَا الدَّاعِي كَمَا أَنَّ ظُلْمَ هَذَا الظَّالِمِ ابْتِدَاءً يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبٍ تَقَدَّمَتْ لِلْمَظْلُومِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ سَبَبَ وُصُولِ الْعُقُوبَةِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ سَبَبَ نِقْمَتِهِ كَمَا جَعَلَ يَدَهُ وَلِسَانَهُ سَبَبَيْ نِقْمَتِهِ وَالْكُلُّ بِذُنُوبٍ سَالِفَةٍ لِلْمَظْلُومِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ الظَّالِمِ فِي الْمَظْلُومِ وَإِنَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ إنَّمَا يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حَقِّ الظَّالِمِ وَالظَّالِمُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فَلَا يُسْتَجَابُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حُقُوقٍ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] .

وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ ضَعْفُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ طَاعَتِهِمَا عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ قَالَ: هَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ كِلَاهُمَا قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَارْجِعْ إلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكَوْنَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ الْكَوْنِ مَعَهُ وَجَعَلَ خِدْمَتَهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَمَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا مَنَعَاهُ بَلْ هُمَا مَوْجُودَانِ فَقَطْ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْكَوْنُ مَعَهُمَا وَفَرْضُ الْجِهَادِ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَحْمِلُهُ الْحَاضِرُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ غَسْلُ الْمَوْتَى وَمُوَارَاتِهِمْ وَجَمِيعُ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ إذَا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَبْلَغُ فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَتَّبَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَمْرِهِمَا وَعِصْيَانِهِمَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مِنْ نَقْلٍ وَغَيْرِهِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَإِذَا قَدَّمَ خِدْمَتَهَا عَلَى فَرَوْضِ الْكِفَايَاتِ فَعَلَى النَّقْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ أَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَهُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ لَا تَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَتَرْكَ النَّفْلِ تَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةُ ذَلِكَ النَّفْلِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ النَّفْلِ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ الثَّوَابِ وَكَذَلِكَ مَصْلَحَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ زَائِدٌ فِي الْعَدَدِ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ لَكِنَّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَعْظَمُ فَتَتَحَقَّقُ الْأَوْلَوِيَّةُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَكَذَلِكَ مُتَعَلِّقُ نِيَّةِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ تَعْيِينُهُ نَفْسَهُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ وَتَقَدُّمُهُ لِذَلِكَ وَهُوَ مِنْ فِعْلِهِ لَا الْإِمَامَةِ حَتَّى يُقَالَ: لَمْ تَكُنْ فِعْلًا زَائِدًا عَلَى فِعْلِ الْمُنْفَرِدِ بَلْ فِعْلُ الْإِمَامِ مُسَاوٍ لِفِعْلِ الْمُنْفَرِدِ وَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ نِيَّةٌ بِلَا مَنْوِيٍّ وَلَا دَاعِي لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ مُتَعَلِّقَهَا كَوْنُهُ مُقْتَدًى بِهِ وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ تَبَعًا لِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ فَافْهَمْ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِي نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الشَّكُّ الْوَاقِعُ مِمَّنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا نَصَبَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا لِإِيجَابِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَإِذَا صَلَّى الْخَمْسَ فَهُوَ جَازِمٌ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ الشَّكُّ لَا مُتَرَدِّدٍ فِي نِيَّتِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ فِي التَّرَدُّدِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ النِّيَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَشْرُوعُ فِي نِيَّةِ الْعِبَادَةِ أَنْ يَنْوِيَ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ مَنْوِيَّةً مَثَلًا فَإِنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّلَاةِ مَشْرُوعَةٌ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَلَيْسَ الْمَشْرُوعُ أَنْ يَنْوِيَ نِيَّةَ الِامْتِثَالِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهَا التَّمْيِيزُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَا وَلَوْ لَمْ يُقْصَدْ فَافْهَمْ.

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حُكْم دُخُول السنن فِي نِيَّة صَلَاة الْفَرْض]

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) بِمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّفْصِيلَ فِي النِّيَّةِ بَلْ اكْتَفَى مِنْ الْإِنْسَانِ إذَا قَصَدَ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَتَنْسَحِبُ هَذِهِ النِّيَّةُ الْمُجْمَلَةُ عَلَى فَرَوْضِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْصِدَ لِمَا فِي الظُّهْرِ مِنْ فَرْضٍ فَيَنْوِيَهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ سُنَّةٍ فَيَنْوِيَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِالْأَوَّلِ وَيُثَابَ بِالثَّانِي كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدَ السَّجَدَاتِ وَغَيْرَهَا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ بَلْ يَكْتَفِي بِانْسِحَابِ النِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ]

(الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ) أَمَّا مَا شُرِعَتْ فِيهِ فَضَبَطَهُ شَيْخُ وَالِدِي الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى السُّنُوسِيَّةِ بِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ أَيْ ذِي حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا بِحَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرًا مَحْضًا وَلَا مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ أَيْ الْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ وَلَا مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ وَلَا مَكْرُوهًا لِذَاتِهِ فَقَوْلُهُ بِحَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ.

قَالَ: الأنبابي فِي تَقْرِيرَاتِهِ عَلَيْهِ: هُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَبْدَأً أَصْلًا أَوْ جَعَلَ مَبْدَأَهُ الْبَسْمَلَةَ وَالصُّورَةُ الْأُولَى غَيْرُ مُرَادَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>