للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكِلَاهُمَا مُتَأَخِّرٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَوُجُودُهَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَتُوجَدُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ مَعًا فِي حَقِّ الْحُرِّ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ فَإِنَّ لَهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلَهُ ذِمَّةٌ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الذِّمَّةَ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْلِسَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ الَّذِي حَازَهُ الْحَاكِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالٍ يَسْتَدِينُهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ أَوْ يَرِثُهُ أَوْ يُوهَبُ لَهُ فَقَدْ اخْتَصَّتْ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ بِبَعْضِ الْأَمْوَالِ، وَأَمَّا ذِمَّتُهُ فَثَابِتَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ فِي الْمَالَيْنِ فَقَدْ صَارَتْ الذِّمَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَعَمَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ أَخَصُّ مِنْ الذِّمَّةِ لِحُصُولِهَا فِي الْبَعْضِ مِنْ الْأَمْوَالِ دُونَ الْبَعْضِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فِي الْإِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَهُ عَلَى عِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ بِفَاءِ الْجَزَاءِ

(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ فِي قُوَّةِ الْمُشْتَقِّ، وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُ عِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ عَلَيْهِ مَأْمِنَةٌ يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَنَحْوُ اقْطَعُوا السَّارِقَ وَاجْلِدُوا الزَّانِيَ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ وَالزِّنَا لِلْجَلْدِ فَكَذَلِكَ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْإِيَاسِ لِعِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ، فَيَكُونُ الْوَاقِعُ مِنْ الْأَشْهُرِ قَبْلَ كَمَالِ التِّسْعَةِ لِلْمُرْتَابَاتِ وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي عِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ سَبَبِهَا فَيَتَعَيَّنُ اسْتِئْنَافُ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْإِيَاسُ.

وَأَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ تَمْضِي لَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ يَمْضِي لَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَقَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِهَا فَإِنَّهُنَّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْنَ بِأَنَّ تِلْكَ الْآجَالَ عِدَدٌ وَقَعَتْ بَعْدَ أَسْبَابِهَا الَّتِي هِيَ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ إلَّا إنَّهُنَّ يَعْتَدِدْنَ بِتِلْكَ الْآجَالِ فِي عِدَدِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِسَبَبٍ إجْمَاعًا، وَالسَّبَبُ إنَّمَا هُوَ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ، وَقَدْ وَقَعَتْ تِلْكَ الْآجَالُ بَعْدَهُ فَظَهَرَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَالتَّبَايُنُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ عَلَى مَذْهَبَيْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فَقَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ إنَّهُمْ صَارُوا إلَى ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] وَاَلَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ لَيْسَتْ بِيَائِسَةٍ.

وَهَذَا الرَّأْيُ فِيهِ عُسْرٌ وَحَرَجٌ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَكَانَ جَيِّدًا إذَا فُهِمَ مِنْ الْيَائِسَةِ الَّتِي لَا يُقْطَعُ بِانْقِطَاعِ حَيْضَتِهَا وَكَانَ قَوْلُهُ إنْ ارْتَبْتُمْ رَاجِعًا إلَى الْحُكْمِ لَا إلَى الْحَيْضِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مَالِكٌ عَلَيْهِ فَكَأَنَّ مَالِكًا لَمْ يُطَابِقْ مَذْهَبُهُ تَأْوِيلَهُ الْآيَةَ فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْيَائِسَةِ هُنَا مَنْ انْقَطَعَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ قِبَلِ السِّنِّ وَلِذَلِكَ جَعَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [المائدة: ١٠٦] رَاجِعًا إلَى الْحُكْمِ لَا إلَى الْحَيْضِ أَيْ إنْ شَكَكْتُمْ فِي حُكْمِهِنَّ، ثُمَّ قَالَ فِي الَّتِي تَبْقَى تِسْعَةً لَا تَحِيضُ وَهِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ إنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ وَابْنُ بُكَيْر مِنْ أَصْحَابِهِ أَيْ مَالِكٍ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الرِّيبَةَ هَا هُنَا فِي الْحَيْضِ وَأَنَّ الْيَائِسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ مَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِمَا يَئِسَ مِنْهُ بِالْقَطْعِ فَطَابَقُوا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَذْهَبَهُمْ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَنِعْمَ مَا فَعَلُوا؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ هَا هُنَا مِنْ الْيَائِسِ الْقَطْعَ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَنْتَظِرَ الدَّمَ وَتَعْتَدَّ بِهِ حَتَّى تَكُونَ فِي هَذَا السِّنِّ أَعْنِي سِنَّ الْيَائِسِ وَإِنْ فُهِمَ مِنْ الْيَائِسِ مَا لَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ الَّتِي قُطِعَ دَمُهَا عَنْ الْعَادَةِ وَهِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ بِالْأَشْهُرِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْيَائِسَةَ فِي الطَّرَفَيْنِ لَيْسَتْ هِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِدَّةِ لَا بِالْأَقْرَاءِ وَلَا بِالشُّهُورِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا قَبْلَ التِّسْعَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَاسْتِحْسَانٌ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الفرق بَيْنَ فَائِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبُ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ)

وَقِيلَ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ إلَى تِسْعِ سِنِينَ وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْ سَنَتَيْنِ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ هَاهُنَا قَدَّمَ النَّادِرَ عَلَى الْغَالِبِ دُونَ الْعَكْسِ وَإِلَّا لَمَّا لَحِقَ هَذَا الْحَمْلُ الْآتِي بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ بِالْأَزْوَاجِ وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا وَوُقُوعُ الزِّنَى فِي الْوُجُودِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحَمْلِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، بَلْ كَانَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُجْعَلَ زِنًى عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ لُحُوقَهُ بِالزَّوْجِ لُطْفًا بِعِبَادِهِ وَسِتْرًا عَلَيْهِمْ وَحِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَسَدِّ الْبَابِ ثُبُوتُ الزِّنَى كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ مَعَ ثُبُوتِهِ أَرْبَعَةٌ مُجْتَمِعِينَ سَدًّا لِبَابِهِ حَتَّى يَبْعُدَ ثُبُوتُهُ وَأُمِرْنَا أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَأُمِرْنَا إذَا تَحَمَّلْنَاهَا أَنْ لَا نُؤَدِّيَهَا وَأَنْ نُبَالِغَ فِي السِّتْرِ عَلَى الزَّانِي مَا اسْتَطَعْنَا فَإِنَّهُ تَعَالَى كَمَا شُرِعَ كُلُّ ذَلِكَ طَلَبًا لِلسَّتْرِ عَلَى الْعِبَادِ وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ شُرِعَ لُحُوقُ الْحَمْلِ الْآتِي بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ بِالْأَزْوَاجِ وَهُوَ نَادِرٌ لِذَلِكَ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ فَطَلَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>