الْقَاعِدَةِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ فُرُوعِهَا بَلْ فُرُوعُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ وَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَوَامِرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَسَلْبِ النَّقَائِصِ وَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا فَهَذَا الْقِسْمُ الْأَمْرُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِأَقْصَى غَايَتِهِ الْمُمْكِنَةِ لِلْعَبِيدِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» وَقِسْمٌ أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهُوَ الْأَقَارِيرُ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي دَنَانِيرُ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ أَدْنَى رُتَبِهَا مَعَ صِدْقِهَا فِي الْآلَافِ لِكَوْنِ الْأَصْلِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ الرُّتَبِ وَلَيْسَ الْأَصْلُ إهْمَالَ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ بَلْ تَعْظِيمُهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] .
وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: ٩١] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْغَايَاتِ الَّتِي وَصَلُوا إلَيْهَا دُونَ مَا يَنْبَغِي لَهُ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْتَبِسُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) فَحَقُّ اللَّهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَحَقُّ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ وَالتَّكَالِيفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ كَالْإِيمَانِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَحَقِّ الْعِبَادِ فَقَطْ كَالدُّيُونِ وَالْأَثْمَانِ وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ أَوْ حَقُّ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْقَاعِدَةِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ فُرُوعِهَا بَلْ فُرُوعُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ بِسَبَبِ تَخْصِيصِ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ بِأَعْلَى الرُّتَبِ وَبِسَبَبِ تَخْصِيصِ الْأَقَارِيرِ بِأَدْنَى الرُّتَبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ إنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ لِأَسْبَابٍ تَخُصُّ مَوَاقِعَ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ) قُلْتُ: بَلْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَهُوَ عِبَادَتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» .
قَالَ: (وَحَقُّ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ حَقَّهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَلْزُومُ عِبَادَتِهِ إيَّاهُ وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَيُخَلِّصَهُ مِنْ النَّارِ وَإِنْ أَرَادَ حَقَّهُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَيْ الْأَمْرَ الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ فِي أُولَاهُ وَأُخْرَاهُ فَمَصَالِحُهُ.
قَالَ: (وَالتَّكَالِيفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ كَالْإِيمَانِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ عِبَادَتُهُ إيَّاهُ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ: (وَحَقُّ الْعِبَادِ فَقَطْ كَالدُّيُونِ وَالْأَثْمَانِ) قُلْتُ: تَمْثِيلُهُ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ حُقُوقَهُمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ قَبْلَ حَقِّهِ مَصَالِحُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ حُقُوقَهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ.
قَالَ: (وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْبَيْعِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَمُطْلَقِ غَيْرِهِ مِنْ مُطْلَقَاتِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ النَّظَائِرِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا إنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَقَوْلُنَا حَصَلَ لِزَيْدٍ مُطْلَقُ الْمَالِ وَلَوْ بِفَلْسٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَالُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يَتَحَوَّلُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَقَوْلُنَا مُطْلَقُ النَّعِيمِ حَاصِلٌ دُونَ النَّعِيمِ الْمُطْلَقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) وَهُوَ أَنَّ أَدِلَّةَ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ مَحْصُورَةٌ شَرْعًا فِي نَحْوِ الْعِشْرِينَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى رَأْيٍ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْعِصْمَةُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ وَإِجْمَاعٌ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِيهِ وَقِيَاسٌ لَا فَارِقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُقُوعِ الْأَحْكَامِ أَيْ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا فَهِيَ لَا تُحْصَرُ فِي عَدَدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاهِي وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَالزَّوَالُ مَثَلًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] وَدَلِيلُ وُقُوعِ الزَّوَالِ وَحُصُولِهِ فِي الْعَالَمِ الْآلَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ كَالْأَسْطُرْلَابِ وَالْمِيزَانِ وَرُبْعِ الدَّائِرَةِ وَالشَّكَّارِيَّةِ والزرقالية وَالْبُنْكَامِ وَالرُّخَامَةِ الْبَسِيطَةِ وَالْعِيدَانِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْأَرْضِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الظِّلَالِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الْمِيَاهِ وَآلَاتِ الطُّلَّابِ كَالطِّنْجَهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْمَاءِ وَآلَاتِ الزَّمَانِ وَغَيْرِ الْآلَاتِ كَعَدَدِ تَنَفُّسِ الْحَيَوَانِ إذَا قُدِّرَ بِقَدْرِ السَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَلْ الْمُتَوَقَّفُ سَبَبِيَّةُ السَّبَبِ وَشَرْطِيَّةُ الشَّرْطِ وَمَانِعِيَّةُ الْمَانِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ]
(الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ)