للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ الثَّانِي مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا يُكَرُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْإِيقَافِ وَالْإِبْطَالِ فَتَبِينُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَثْبُتُ الْقِيَاسُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي لَوْ قَضَى بِهَا قَاضٍ لَنُقِضَ قَضَاؤُهُ وَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِوُضُوحِ بُطْلَانِهَا.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَا يُرْوَى «أَنَّ خَطِيبًا قَالَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمِنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ» اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَتِّبَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَأَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ اللَّهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثَانِيًا فَيَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِالتَّقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ فَاتَ بِسَبَبِ جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالْوَاوِ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] قَالَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ صَرَّحَتْ بِالتَّقْدِيمِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلِمَ قَالَ هَذَا الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ مُضَافَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَاوِ.

(الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْقِيقُهُ بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ) فَنَقُولُ: الْأَفْعَالُ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَالْمُثُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَالنَّازِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَا يُحَصِّلُ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ وَكَذَلِكَ كِسْوَةُ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامُ الْجِيعَانِ وَنَحْوُهُمَا فَهَذَا ضَابِطُ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبِهِ تُعْرَفَانِ وَأَذْكُرُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّالِثُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ: يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ إمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدَّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ وَغَيْرَ إطْلَاقِهِ لَفْظَ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ اللَّفْظَ مَجَازًا فَهُوَ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَحَدٌ وَلَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُجَّةُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَلْ إمَّا لَا شَهَادَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ كَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ أَوْ بَعْضِهِ شَهَادَةٌ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ حُجَّةٌ تَامَّةٌ إلَّا بِتِينِك الْحُجَّتَيْنِ فَإِذَا فُرِضَ عَدَمُ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الْحَصْرُ فِي الْأُخْرَى إذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت أَنَّ صِيغَةَ التَّعْلِيقِ دَالَّةٌ عَلَى مَا يَعُمُّ التَّرْتِيبَ وَغَيْرَهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ إذْ الدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ كَالْحَيَوَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ كَالْإِنْسَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ إذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا بِصِيغَةِ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] وَإِذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: مُرَادُهُمْ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ دَالَّةٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ لَا مُطْلَقُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ) وَقَعَ بِالْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُمَا فِي ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ طَرَفَيْ فِي الْإِسْنَادِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ فِي الزَّمَانِ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ إرَادَتَهَا وَإِنْ تَأَخَّرَتْ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْعَطَّارُ عَنْ الْقَرَافِيِّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الزَّمَانِ عَلَى قَوْلٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إجَازَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ عَامٍّ لِقَوْلِ الرَّهُونِيِّ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ اُنْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي أَوَّلِ مَبْحَثِ الْمُخَصِّصِ نَعَمْ اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ بِتَصَرُّفٍ.

(قُلْتُ:) بَلْ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيُّ مَا نَصُّهُ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ اهـ وَلَفْظُ التَّحْرِيرِ لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يُعَيِّنْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>