للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْكِفَايَةَ وَالْأَعْيَانَ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ فَهَذِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ لَا وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا.

فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ تِلْكَ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْأُخْرَى سَقَطَ الْفِعْلُ عَنْهُمَا سُؤَالٌ إذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَرِّرًا عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَكَيْفَ سَقَطَ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَقَعُ فِي الْفِعْلِ الْبَدَنِيِّ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ جَوَابُهُ أَنَّ السُّقُوطَ هُنَا لَيْسَ بِنِيَابَةِ الْغَيْرِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِي الْقَاعِدَةِ بَلْ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا شَالَ زَيْدٌ الْغَرِيقَ سَقَطَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَحِكْمَةٍ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حِفْظُ حَيَاةِ الْغَرِيقِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَمْ تَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ حِكْمَةٌ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَهَذَا هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ لَا النِّيَابَةُ وَالتَّسْوِيَةُ فَسَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ الْفَاعِلِ فِعْلُهُ وَعَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَغَيْرِ الْفَاعِلِ فَمَا ذَلِكَ إلَّا فِي مَعْنَى السُّقُوطِ لَا فِي الثَّوَابِ بَلْ الْفَاعِلُ يُثَابُ وَغَيْرُ الْفَاعِلِ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ أَلْبَتَّةَ نَعَمْ إنْ كَانَ نَوَى الْفِعْلَ فَلَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) نَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ وَقَدْ كَانَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ يَقَعُ فِعْلُهُ فَرْضًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَطَرَدَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ كَمَنْ يَلْحَقُ بِمُجَهِّزِ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَبِالسَّاعِينَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْ الطُّلَّابِ فَإِنَّ ذَلِكَ الطَّالِبَ يَقَعُ فِعْلُهُ وَاجِبًا وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوبِ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدُ وَمَا وَقَعَتْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَيَخْتَلِفُ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ مَسَاعِيهمْ.

(سُؤَالٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقْضٌ كَبِيرٌ عَلَى حَدِّ الْوَاجِبِ بِأَيِّ حَدٍّ حَدَّدْتُمُوهُ فَإِنَّ هَذَا اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ إجْمَاعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَلَا لَوْمٍ وَلَا اسْتِحْقَاقِ عِقَابٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَصَفْتُمْ فِعْلَهُ بِالْوُجُوبِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِهِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ حُدُودَ الْوَاجِبِ كُلَّهَا وَهَذَا سُؤَالٌ صَعْبٌ فَيَلْزَمُ إمَّا بُطْلَانُ تِلْكَ الْحُدُودِ أَوْ بُطْلَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَالْكُلُّ صَعْبٌ جِدًّا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ نَقُولَ: الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَشْرُوطٌ بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ فَلَا جَرَمَ إنْ تَرَكَ مَعَ الِاجْتِمَاعِ أَثِمَ وَالتَّرْكُ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ وَالْعِقَابُ حِينَئِذٍ مُتَحَقِّقٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمَشْرُوطَ بِشَرْطٍ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

تَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ الضِّغْثَ وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِيُكَفِّرْ مُقْتَصِرًا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مُخْلِصًا مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ دَائِمًا بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْبَيْعَةِ اهـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: وَالْوَجْهُ تَكْذِيبُ النَّاقِلِ فَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ اهـ.

وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ تَقْلِيدُ رِوَايَاتِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّعَالِيقِ وَغَيْرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيمُهَا لِلْعَوَامِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهَا.

قَالَ الْعَطَّارُ: مِمَّا لَا يَنْبَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ خُصُوصًا فِي الطَّلَاقِ لِمَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَاضْطِرَابِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يَقْضِي بِعَدَمِ تَحْرِيرِ النَّقْلِ وَإِنْ فُرِضَ صِحَّتُهُ فَتَأَمَّلْ اهـ.

وَقِيلَ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ أَسْبَابًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ شَرْطًا وَجُعِلَ عَدَمُهُ مُؤَثِّرًا فِي الْعَدَمِ كَانَ الشَّأْنُ فِيهِ تَعْجِيلَ النُّطْقِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَضَمَّنْ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ عَمَّا الْمُرَادُ فَهْمُهُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ الْمُرَادِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَخْتَلَّ الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ الشَّأْنُ فِيهِ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفَوِّتُ مَقْصِدًا بِخِلَافِ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَاتَ مَقْصِدٌ فَعَدَمُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَظِيرُ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْإِسْنَادِ يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُمَا، الْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا قَالَ. إنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ وَالسَّبَبُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ تَعْجِيلُ النُّطْقِ بِهِ كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ التَّعْجِيلَ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ مَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا عَلِمْت، الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إنْ أَطَاعُوا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ مَقْصِدٌ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إلَّا زَيْدًا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ لَمْ يَفُتْ مَقْصِدٌ وَتَكُونُ صُورَةُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ إنَّمَا ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>